المساء
مؤمن الهباء
ما لم يقله نتنياهو
كنت أتمني أن تهتم صحافتنا ويهتم إعلامنا بكلمة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة علي الأقل من باب "اعرف عدوك" حتي ندرك إلي أي مدي وصل الصلف والغرور الإسرائيلي. وكيف توظف مهارات الخطابة وخلط الأوراق ولغة الجسد في تزييف الحقائق واللعب بالعقول.
اعتمد نتنياهو في كلمته التي استغرقت حوالي 45 دقيقة علي مخزون هائل من مفردات السفالة السياسية الممزوجة بالصلافة والعجرفة. فقد سب الأمم المتحدة أكثر من مرة. وسخر من الدول الأعضاء فيها. ومن قراراتها المتتالية بإدانة إسرائيل. وتوعد مندوبي الدول التي لم تهرول لإقامة علاقات دبلوماسية مع حكومته بأنه لن يمر وقت طويل حتي تأتيهم الأوامر من عواصمهم بتغيير المواقف تجاه إسرائيل.
وأكد أن كل الدول بما فيها الدول العربية تسعي الآن لكسب ود إسرائيل وإقامة علاقات معها. فقد انتهي زمن العزلة إلي الأبد. هناك علاقات دبلوماسية لإسرائيل مع 160 دولة حتي الآن. والعلاقات مع أفريقيا خاصة آخذة في الاتساع. فقد قام لأول مرة بزيارة 4 دول أفريقية وسوف يلتقي قريباً مع 17 رئيس دولة.
وأضاف أن إسرائيل دولة قوية.. عدد سكانها عام 1947 لم يزد علي 800 ألف شخص. والآن تضاعف عدد السكان عشرة أضعاف. وتضاعف اقتصادها 40 مرة. لم تكن تصدر غير البرتقال والآن تصدر السلاح والتكنولوجيا ونظم الأمن ونظم الزراعة وإدارة المياه لكل دول العالم. مؤكداً أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وأصبحت دولة عظمي بكل المقاييس.
ولم ينس أن يوجه الشكر لأمريكا التي خصها بوصلة من الغزل والعرفان بالجميل.. بينما شن هجوماً علي حماس والسلطة الفلسطينية ومحمود عباس "أبومازن" شخصياً.. فقد سخر منه واتهمه بأنه يعيش في الماضي. وأصبح عقبة أمام السلام. ويشجع أعمال العنف ضد إسرائيل. وتقوم المناهج الفلسطينية ووسائل الإعلام بتحريض الشباب علي كراهية إسرائيل والقيام بأعمال إرهابية ضد الإسرائيليين.
ثم يشير إلي أن المشكلة ليست المستوطنات وإنما في رفض العرب الاعتراف بحق اليهود في دولتهم ولو كانوا قد قبلوا بقرار التقسيم وكان السلام قد عم المنطقة وما وقعت الحروب. ولكنهم علي كل حال يسعون الآن لإقامة علاقات مع إسرائيل.
ووسط تصفيق أتباعه من الوفدين الأمريكي والإسرائيلي أعلن نتنياهو أن إسرائيل لم ولن تسمح لإيران الآن ومستقبلاً وفي أي وقت بأن تمتلك السلاح النووي. كما لن تتنازل عن كونها دولة يهودية. ولن تتنازل عن حقها في جبل المعبد "موقع المسجد الأقصي".
وبدهاء اليهودي المعروف استغل نتنياهو منبر الأمم المتحدة ليروج أكثر من مرة لاقتصاد إسرائيل ومنتجاتها وقدراتها التي تفوقت فيها. ومنها تكنولوجيا المعلومات والاستخبارات ومعدات الأمن والسلامة والتدريب علي إدارة المياه والزراعة ومن مصلحة الدول أن تقبل علي التعاون مع إسرائيل والحصول علي هذه المنجزات الخطيرة.
هذا معظم ما قاله نتنياهو.. أما ما لم يقله وأخفاه لكي يتمكن من لي عنق الحقيقة وابتزاز الشعوب هو أن إسرائيل كانت ومازالت دولة احتلال. هي في الواقع آخر صور الاحتلال التقليدي علي مستوي العالم. وأن هذه الحقيقة تقدم مسوغاً كافياً. أخلاقياً ودينياً وقانونياً. لكي تدافع الشعوب المحتلة عن سيادتها وعن أرضها. هذا ليس عنفاً ولا إرهاباً. وإنما مقاومة مشروعة طبقاً لكل المقررات الصادرة عن الأمم المتحدة.
إسرائيل دولة إرهابية خارجة علي القانون من اليوم الأول لإنشائها. وهي الآن ترتكب كل الجرائم العنصرية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني. حيث تنتهك مقدساته وتعتدي علي المساجد والكنائس. وتدمر المنازل. وتطرد السكان أصحاب الأرض لتضع مكانهم مهاجرين قادمين من أوروبا وأمريكا. وتضيق الخناق علي من يتمسك بالبقاء في منزله. فتخرب الأراضي الزراعية وتصادرها. وتقتل الشباب الفلسطيني الأعزل الذي يواجهها بالحجارة والسكين.
ومهما بلغت قدرات نتنياهو الخطابية والدعم الأمريكي اللامحدود فإن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً. الحقيقة التي تعرفها كل شعوب الأرض ويحاول نتنياهو وأمثاله تزييفها أو تغطيتها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف