الأهرام
فتحى محمود
دروس من الصين
أسبوع واحد قضيته فى الصين كان كافيا لمعرفة دروس كثيرة نحتاج إليها من هذا البلد القارة، الذى اجتاح ببضائعه وتجارته واستثماراته العالم أجمع.

البداية كانت دعوة للمشاركة فى منتدى وزراء الإعلام لدول أوراسيا حول «تعزيز التبادلات الودية للوسائل الإعلامية»، والدورة الخامسة لمعرض الصين ـ أوراسيا وموضوعها «مشاركة فى التشاور والبناء والاستفادة لطريق الحرير: الفرصة والمستقبل»، وذلك فى مدينة أورمتشى عاصمة منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، وقد شارك فى هذا الحدث وفود من 12 دولة، وكانت مصر هى الدولة العربية والإفريقية الوحيدة المدعوة، حيث شاركت بوفد برئاسة السفير صلاح عبدالصادق رئيس هيئة الاستعلامات، يضم عبدالمعطى أبوزيد رئيس قطاع الإعلام الخارجى بالهيئة، ورئيس المكتب الإعلامى المصرى السابق بالصين مدير عام النشرات بالهيئة أحمد سلام، إلى جانب كاتب هذه السطور ممثلا عن وسائل الإعلام المصرية.

وأول الدروس بدأ من مطار دبى مع ركوب الطائرة الصينية المتجهة إلى مدينة أورمتشى، فالطائرة ليست بنفس مستوى فخامة الطائرة الخليجية التى اقلتنا من القاهرة إلى دبى، لكن الفارق الأهم أن الطائرة الخليجية صناعة فرنسية بينما الطائرة الصينية صناعة صينية، لا يهم هنا مستوى الفخامة أو وسائل الترفيه، فالأهم أن هناك صناعة وطنية ضخمة تلبى احتياجات الدولة والمواطن، وتستغنى إلى حد كبير عن ضغوط الاستيراد من الخارج وتوفر فى نفس الوقت فرص عمل عديدة للمواطنين، وقد تذكرت فى هذا السياق تجربة شركة النصر لصناعة السيارات التى نجحت خلال الستينيات من القرن الماضى فى تصنيع سيارات الركوب والنقل والأتوبيسات فى مصر بما يلبى احتياجات المصريين، حتى داهمها غول «الانفتاح» بعد ذلك ليتم تدميرها وإجبارها على إيقاف نشاطها لصالح لوبى مستوردى السيارات، وقد سعدت جدا بصدور قرار منذ أيام بوقف تصفية الشركة وإعادة تشغيلها مجددا.

الدرس الثانى وجدته فى كل مكان ذهبت إليه فى الصين، هو التمسك الشديد بقيمة العمل، فالكل يعمل بحماس شديد ـ أيا كانت طبيعة عمله ـ بعيدا عن شعار «على قد فلوسهم» أو نظرية «اشتغل قليل تغلط قليل»، وقد لاحظنا أن المترجم الصينى الذى يرافقنا وهو يعمل فى الأصل مدرسا مساعدا للأدب الإنجليزى بإحدى الجامعات هناك، كان يؤدى عمله معنا بحماس شديد ولا يقصر عمله فقط على الترجمة لنا من الصينية إلى الإنجليزية، بل يتعداه إلى السعى لحل أى مشكلة تقابلنا بما فى ذلك المساعدة فى حمل الحقائب وتسهيل عملية التسوق وغيرها، فهو لا يعمل هنا بمنطق الوظيفة، وانما تشعر أنه يؤدى مهمة وطنية.

والحقيقة أن العمالة الصينية رغم ضآلة أجورها تتميز بالدأب الشديد والعمل المكثف والمنظم لساعات طويلة يوميا، وهو مانفتقده للأسف الشديد.

درس آخر يهم الحكومة المصرية يتعلق بتسهيل إجراءات الاستثمار، فقد رأيت عند زيارة المنطقة الحرة بين الصين وطاجيكستان ورقة خاصة بالمستثمرين، الوجه الأول لها يتضمن أهم المجالات المطروحة للاستثمار مع الأوراق المطلوبة لكل مشروع، والوجه الثانى للورقة به أسعار الأراضى وتكاليف المرافق المختلفة مثل الكهرباء والغاز والمياه، بحيث يتمكن أى مستثمر من عمل دراسة الجدوى الخاصة بأى مشروع من خلال هذه الورقة فقط، وإنهاء إجراءات المشروع من خلال جهة واحدة مخصصة لذلك.

وقد فشلت الحكومة المصرية فى تطبيق نظام الشباك الواحد للمستثمرين حتى الآن، ولا يوجد مسئول مصرى يستطيع الإجابة الفورية عن أسعار الأراضى.

الدروس كثيرة، وليست سرا، ونستطيع الاستفادة منها إذا توافرت الإرادة المجتمعية لذلك.

< كلمات:

الحياة المليئة بالأخطاء أكثر نفعا وجدارة بالاحترام من حياة فارغة من أى عمل.

جورج برنارد شو
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف