يوم الجمعة 16 سبتمبر الحالى قامت ما يسمى «جماعة عمل مصر» بإرسال رسالة إلى كل من المرشح الجمهورى دونالد ترامب، والديمقراطى هيلارى كلينتون، تطلب منهما رفض مقابلة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسي.
وكان الموقعون على الرسالة كلا من ميشيل دان من وقفية كارنيجى للسلام الدولي، وروبرت كيجان من مؤسسة بروكينجز، وإليوت إبرامز من مجلس الشئون الخارجية، وراؤول جيرخيت من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ونيل هيكس من جمعية حقوق الإنسان أولا، وستيفن مكنيرى من مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي. ورغم أن هذه الأسماء مؤثرة فيما له علاقة بالسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، وأنها عملت داخل الإدارة الأمريكية ـ ديمقراطية وجمهورية ـ كما عملت خارجها فى مراكز مختلفة الفكر والتأثير، وأنها تضم اتجاهات سياسية مختلفة من ليبرالية إلى محافظة إلى «محافظون جدد» فإنها فشلت فشلا ذريعا فى منع لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي. ولم تكن هذه الجماعة وحدها هى التى حاولت، بل ساندتها جماعات أخرى فى نفس المطلب يقع فى مقدمتها منظمة «هيومان رايتس ووتش» صاحبة أسوأ تقرير صدر عن ثورة يونيو 2013 وما أعقبها من أحداث المواجهة مع جماعة الإخوان الإرهابية. لقد كان للرئيس السيسى فى نيويورك لقاءات كثيرة ومتعددة، وكان ذلك مفهوما على ضوء حصول مصر على مقعد فى مجلس الأمن، والنشاط الذى استأنفته مصر فى منظمة الوحدة الأفريقية، ودورها فى الجامعة العربية، وأخيرا فى إنشاء تعاون كبير وفعال فى منطقة شرق البحر المتوسط. ومع ذلك فإن لقاء الرئيس مع المرشحين للرئاسة الأمريكية كان بارزا فى أهميته، نظرا لأنه لا يتعلق بحاضر السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط ومصر، وإنما لأنه يتعلق بمستقبلها. وبصراحة فإن الرأى عندنا، الذى عبرنا عنه أكثر من مرة، هو أن العلاقات المصرية ـ الأمريكية لن تعود أبدا إلى سابق عهدها من علاقات إستراتيجية وثيقة إلا بعد انتهاء إدارة باراك أوباما. صحيح أن إدارة أوباما قد باتت أكثر واقعية مع الوقت فيما يتعلق بعلاقاتها مع مصر، وبعد التشدد الذى جرى بعد ثورة يونيو وتبنى وجهات نظر الجماعة المذكورة أعلاه؛ إلا أنه ما لبث أنه وجد أن مصر من الأهمية بحيث لا يمكن تجاوز قيادتها، وأن الاعتماد على جماعات صغيرة ليس لها تأثير فى الساحة المصرية هو من قبيل المغامرة السياسية. ولكن مع كل ذلك، ومع عودة الاتصالات بين البلدين إلى نشاطها مرة أخري، فإن أوباما ظلت له آراء سلبية فى التجربة المصرية كلها متأثرا فى ذلك بأيدلوجيته الشخصية على يسار الليبراليين الأمريكيين، أو بالنفوذ الكبير لجماعة «عمل مصر» التى ساهمت فى تشكيل إستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية منذ عام 2010 حتى الآن. باختصار، وسواء كان الأمر راجعا لأوباما شخصيا، أو لجماعة ميشيل دان وشركائها، فإن مرارة الفشل فى الهندسة السياسية للحالة المصرية ظل مطبقا على العلاقات المصرية ـ الأمريكية.
لقاء الرئيس السيسى مع ترامب وكلينتون كان ضربة كبيرة لجماعة من الدبلوماسيين وعلماء السياسة ومفكريها ونشطاء حقوق الإنسان لأنهم أثبتوا فى النهاية فقر نظرتهم إلى مصر وعجزهم عن معرفة ما جرى فيها، وفهم ما تحاول أن تفعله. وبشكل ما فإن اللقاءين تميزا بأن كلا منهما ركز على زاوية مختلفة للعلاقات المصرية الأمريكية. لقاء السيسى ترامب كان إستراتيجيا بامتياز، لأنه أعطى ترامب الفرصة للتمييز أولا بين المسلمين الراديكاليين (الإرهابيين) والمسلمين المحبين للسلام؛ وثانيا وضع مصر فى مكانتها الخاصة داخل العالم العربى والإسلامى والشرق الأوسط؛ وثالثا كيف ينظر ترامب إلى العلاقات المصرية الأمريكية ـ فى إطار التحالف المشترك ضد الإرهاب، وإنما أكثر من ذلك أن الصداقة بين البلدين سوف تعنى الشيء الكثير لمصالحهما المشتركة.
لقاء السيسى كلينتون على الجانب الآخر كان مكملا ـ من حيث الموضوع ـ للقاء السابق لأن موضوعها كان ماذا تفعل مصر، وإلى أين تذهب ؟ هنا فإن القصة المصرية فى أصولها التى بدأت مع خريطة الطريق بعد ثورة يونيو كانت مطروحة للفهم والتقدير من وزيرة الخارجية السابقة كانت حتى عام 2012 تدير السياسة الخارجية الأمريكية. وفى الحقيقة فإن موقف كلينتون من الحالة المصرية لا يسير وفق ما هو ذائع فى مصر عنها، بل إن دقائقه يمكن معرفتها من مذكراتها ـ الخيارات الصعبة ـ عن فترة عملها السياسى والدبلوماسى لم يكن موافقا أبدا لما هو شائع عنها فى الكتابات المصرية. ودون الولوغ فى التفاصيل فإن الحركة المصرية خلال هذه الفترة كانت فى معظمها تسير وفق التفاعلات المصرية الداخلية، بينما كانت التأثيرات الخارجية محدودة وأحيانا هامشية.
النتيجة الأولى للقاءين كانت وضع مصر فى مكانها الطبيعى من حيث الأهمية، ومن حيث الفهم. والثانية أن ما جرى فى مصر خلال السنوات الثلاث الماضية، مع مقارنته بما جرى فى بلدان شرق أوسطية أخري، منح مصر تقديرا كان غائبا. والثالثة أن ما تسعى له مصر فى داخلها وخارجها من مواجهة الإشكاليات العظمى للتنمية إلى تحقيق الاستقرار فى منطقة عاصفة بات مقدرا حتى من أطراف فى الساحة الأمريكية تقف على حافتى النقيض السياسى والفكري. والرابعة أن الرئيس السيسى فى عامه الثالث للحكم قد بات رجل دولة بما يستطيع اتخاذه من قرارات صعبة داخل مصر لم يكن بمقدور رؤساء مصر السابقين اتخاذها؛ وقرارات أصعب خارجها بالعمل على استعادة الدول والدين والإقليم مرة أخرى إلى ما يحقق مصالح شعوب المنطقة.