عماد رحيم
عـام دراسـى.. بـلا جديــد
بات الحديث عن تطوير التعليم باهتاً بدرجة مفزعة، فمع بدء عام دراسى جديد متدثر بأحلام الطلاب صوب تحقيق طموح الوصول لمكانة علمية راقية، يأتى التساؤل حول ماهية الجديد هذا العام أمراً منطقياً.
كعادة كل عام دراسى، وبعد مراجعة تصريحات وزراء التربية والتعليم عبر عدة عقود مضت، لم أر جديدا هذا العام، فإذا رجعنا للتصريحات التى تحفظها وسائل الإعلام واستبدلنا اسم الوزير بأى وزير سابق، سنجد نفس التصريح بنفس المنوال.
الدراسة منتظمة فى جميع المدارس،وتم تسليم الكتب الدراسية، ..إلخ، «كلاشيهات» محفوظة، الجديد الوحيد بها، هو اسم الوزير الحالى، وكل عام يسوء الوضع عن سابقه بشكل مفزع، حتى تزيلت مصر قائمة مكونة من 142 دولة فى جودة التعليم، وأصبح السكوت على هذا الوضع المزرى جريمة بحق الوطن، وعارا فى جبين أبنائه .
عبر سنوات كثيرة كان الحديث عن التطوير يدور حول تعديل المناهج، وفى بعض الأحايين يتطرق إلى المدرس وضرورة تحسين هيكله الوظيفى، وفى وقت آخر يمر على القضاء على نظام الفترتين، وفى الغالب يتركز التطوير حول تحديث مناهج التربية والتعليم التى تصر بغرابة موجعة على مبدأ الحفظ، و تبعد تماماً عن فكرة الفهم، والدليل المادى الفاعل هو ما نشاهده كل عام بعد انتهاء أى امتحان للثانوية العامة، إذا وجد الطالب سؤالاً لم يعتد على إجابته من قبل، تقوم الدنيا ولا تقعد، وتخرج أيضاً التصريحات المعتادة حول تلك المواقف المكررة، من أجل امتصاص غضب الرأى العام، ورغم وجاهة المنطق فى أن يكون هناك سؤال للمتميزين، إلا أن المردود له وجاهته، كيف تضع سؤالاً يقيس مستوى الطالب المتفوق، وأنت من أجبرته على الحفظ، ثم تطالبه بإظهار قدرته على الفهم!
الثابت أننا ندور فى دائرة مغلقة.متحصنين بداء الاعتياد، تلك الثقافة المقيتة التى جعلتنا نسلم بالأمر الواقع، وأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان، وما زاد الأمر سوءا أن كثيرا من المسئولين يعملون بمبدأ ليس كله كويس ـ بكسر الياء و تشديدها ـ فتكون النتيجة الإغراق فى الفشل.
فتكون الناتجة الطيبعية، شبابا ضائعا لا أمل له فى وطن اعتبره عالة عليه، شبابا اتجه للمخدرات، ويرى التحرش فعلا عادياً، شبابا لم تسطع الدولة بكل سلطاتها أن تنظم مباراة لكرة القدم بحضوره خوفاً منه ومن رد فعله المتجهم، شبابا فقد الأمل فى بلده فجازف بعمره متجها لإيطاليا أو غيرها، فى هجرة غير شرعية، أودت بحياته ـ وأيضاً أمست تلك الحوادث هى الأخرى أمراً معتاداً، مثلها مثل ردود الأفعال التى تليها!
والعجيب أن تخرج اللعنات من كل صوب وحدب تجاه هؤلاء الشباب مغلفة بسهام النقد اللاذع، متغافلين تماماً عن العجز الإدارى المهين، والعمل وفق نظام بال فاشل تجاوزه الزمن منذ أجيال هو السبب الرئيسى فيما وصلنا إليه الآن، وبات الشىء الوحيد الذي نتميز فيه وبمهارة فائقة هو كيفية وضع رءوسنا فى الرمال كما النعام!
بوضوح شديد تطوير وتحديث التعليم هو الأمل الوحيد الذى يمكن أن ينتشلنا من دوامات الغرق المستمرة، بيد أن الحديث عنه مقرون بتكاليف باهظة لا نستطيع توفيرها فى ضوء عجز للموازنة العامة للدولة جعلها على حافة الإفلاس، متجاهلين نظرية التفكير خارج الصندوق، مع أن العمل بتلك النظرية سينقلنا لدرجات مرتفعة فى سلم التجديد دون تكبيدنا نفقات مرتفعه.كيف؟
بداية لابد من زرع الرغبة داخل التلاميذ فى الذهاب إلى المدرسة بطريقة إيجابية، من خلال عمل برامج رياضية وثقافية فى كل المدارس ترسخ روح المنافسة داخل أبنائنا من خلال إعطاء الفائزين داخل هذه البرامج درجات تضاف لدرجات التفوق الدراسى، بدلا من درجات التفوق الرياضى التى نعلم يقيناً كيف تأتى بغش فج، وذلك من خلال برامج واضحة يشترك فيها وزارتا الشباب والرياضة، والثقافة، مع التربية والتعليم، هذه الطريقة ستعمل على إذكاء العقل والجسد، ومن خلالها يمكن زرع قيم التنافس والأخلاق و الشرف والعمل والاجتهاد.
لقد تأخر وقت الاستثمار فى أولادنا بشكل مزعج، علينا غرس روح الانتماء لمصر بشكل يسير، إذا نجحنا فى ترغيب الطلاب فى الذهاب إلى المدرسة ستكون بداية رائعة فى طريق النجاح، وهى خطوة لابد أن يتم التمهيد لها بإجراءات بسيطة، فلا يعقل مطلقاً أن يحمل طفل عمره 6 سنوات وأكثر حقيبة مدرسية ثقيلة جدا تجعله ينمو مصاباً بأمراض العمود الفقرى، بلا أى طائل سوى أن يبدأ هذا الطفل يومه مهموماً متعباً، ثم ننتظر منه تفوقاً!
بعيداً عن الشعارات الجوفاء المنتجة لضجيج مدوِ دون طحين، جعلتنا نروح فى سبات عميق، بات واجباً علينا التفكير بضمير فى شبابنا المحبط بلا أمل، واليائس بلا عمل، والمغيب بلا روح، قبل أن نقبع فى قاع الظلمة.
أمامنا فرص عديدة لو أحسنا التفكير خارج الصندوق ، نستطيع من خلالها زرع الأمل داخل النفوس، وريه بجهد بناء وعزيمة مخلصة تعمل من أجل مواطن فاعل قادر على التنمية، و لن يتأتى لنا ذلك فى ظل وجود وجوه مستسلمة بعقول متصلبة.