الأخبار
محمد السيد عيد
ظاهرة النمور السوداء صارت حقيقة في مصر
في الثمانينيات من القرن الماضي قدم الفنان أحمد زكي فيلماً بعنوان »النمر الأسود»‬. كان بطل الفيلم مجرد خراط، لم يحصل علي تعليم مميز، ولايعرف لغة أجنبية، ولايملك مالاً، لكنه سافر إلي ألمانيا بحثاً عن فرصة عمل، وهناك أحبته البنت الخواجاية البيضاء ذات الشعر الأصفر والشورت الساخن، ورحب به مدرب الملاكمة، ورعاه حتي صار بطلاً من أبطال اللعبة، ولم يلبث هذا المهاجر إلاأن تحول إلي رجل أعمال ناجح، وحقق كل مايحلم به شاب في مقتبل العمر. ومنذ هذا الحين صار أحمد زكي نموذجاً لشباب كثيرين، يحلمون أن يسافروا إلي أوروبا، ويتزوجوا البنت الخواجاية البيضاء ذات الشعر الأصفر والشورت الساخن، ويصيرون من رجال الأعمال. لحد أن بعض هؤلاء الشباب الحالمين مستعدون لدفع أعمارهم مقابل تحقيق هذا الحلم.
ويظن البعض أن قلة فرص العمل في مصر هي السبب الوحيد للهجرة غير الشرعية، لكن بعض الظن إثم، فهناك أسباب أخري عديدة، منها : حلم الثراء، والنجاح، والعودة إلي القرية بالمال الذي يسمح ببناء بيت بالمسلح، تنتشر الأجهزة الحديثة في جميع أركانه، ويحقق نقلة نوعية للأهل، ترفع مكانتهم الاجتماعية بين الناس. وأهل هذه القري التي تحترف الهجرة يقلدون بعضهم، وكل شاب فيها يريد تقليد الشباب الناجحين الذين سبقوه بالسفر. ومن العجيب أن أبناء هذه القري الناجين من الموت يعلمون أن الهجرة بهذه الطريقة غير المشروعة مخاطرة، قد تنجح وقد تعرضهم للموت، أي لاينقصهم الوعي، ورغم هذا يخاطرون. والأعجب أنهم بعد أن يتعرضوا لتجربة الغرق يكررون المحاولة. إننا أمام ظاهرة مركبة، تتداخل فيها عوامل اجتماعية، ونفسية، واقتصادية، لتعطيها طابعها الغريب.
وأظهرت الدراسات العلمية التي أجريت في هذا الصدد أن هناك أماكن محددة في مصر تحترف الهجرة إلي أوروبا بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، وأن أبناءهذه البلاد إما مسافرون أو يستعدون للسفر، ولا شيء يثنيهم عنه، بما في ذلك احتمال الموت. وقد قرأت أن أهل هذه القري لايزوجون بناتهم من أصحاب الوظائف المعروفة، مهما كانت مرموقة، لأن الوظيفة الوحيدة المعتمدة لديهم لأزواج البنات هي : وظيفة مهاجر غير شرعي إلي أوروبا.
إن ظاهرة النمور السوداء صارت حقيقة في مصر، وأحلام النمور الجديدة تفوق حلم أحمد زكي، وعلينا أن نتعامل مع هذا الحلم بصورة علمية وعملية، وفي رأيي أن المشكلة يمكن حلها بصورة معقولة لو فكرنا في البحث عن بديل مقبول. هذا البديل هوتنظيم الهجرة إلي الدول التي تحتاج لعمالة، ويمكن السفر إليها بأمان، وتحقيق ثروة مناسبة من خلال العمل الشريف فيها. وأظن أن دولاً كثيرة في: أفريقيا، أمريكا اللاتينية، واستراليا، يمكن أن تكون هي البديل المناسب. كما يمكن أن نضيف إليها بعض الدول التي تعاني نقصاً في السكان ووفرة في الموارد، مثل نيوزيلاندا، وأوكرانيا.
إنني أطالب وزارة الهجرة أن تقوم بدراسة احتياجات هذه الدول من العمالة. وأن تضع خريطة لاحتياجات كل دولة، وتنسق بين هذه الاحتياجات وبين العمالة الراغبة في الهجرة. علي ألا تقتصر هذه الخريطة علي الوظائف الحكومية، بل لابد أن تشمل القطاع الخاص أيضاً، وتمتد لمجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
لقد رأيت مصريين ناجحين نجاحاً مبهراً في استراليا، وفي أمريكا اللاتينية، خصوصاً البرازيل. فلماذا لانفكر في توسعة نظرتنا لبلاد الله التي يمكن أن يهاجر أبناؤنا إليها ؟ ونساعدهم علي الهجرة دون أن نعرضهم للموت ؟ إن أوروبا لم تعد تحتمل، لأن كل أبناء البلاد التي ضربها الخريف العربي يشدون الرحال اليها، وصار هناك رفض للمهاجرين في دول أوروبية عديدة، لذلك فالبحث عن بديل آمن هو الحل. فهل نبحث عن هذا البديل الآمن ؟

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف