محمد السعدنى
«السيسي» .. الكابوس الذي يطبق علي صدر »ديفيد هيرست«
السيسي رجل ميت يمشي علي الأرض، ولا يتعلق السؤال بما إذا كان السيسي قادرًا علي البقاء في أجواء الشك التي تحيط به وإنما يتعلق بمن هي الشخصية التي ستحل محله. هكذا استهل الكاتب البريطاني المخضرم ديفيد هيرست مقاله في موقع الـ »Middle East Eye» البريطاني بعنوان »Sisi is a dead man walking» المنشور مساء الخميس 22 سبتمبر الجاري، مشبهًا فيه السيسي، بنبي الله سليمان الذي توفي وهو يتكئ علي عصاه التي أكلها النمل بينما كان الجميع يعتقد أنه حي. والمقال لمن يطالعه مكتوب بحد السيف يفتقد الموضوعية ويستهدف الرئيس السيسي شخصياً ويدس الكاتب أنفه فيما لايعنيه وبطريقة توحي علي الفور كما لو كان تاراً مبيتاً بين الكاتب والرئيس وكأنه مدفوع بتصفية حسابات أكثر من تغييبه الحقيقة أو مناقشة السياسات والتوجهات، ولعله أمر درج عليه ديفيد هيرست واعتاده منذ 30 يونيو في العديد من مقالاته في جريدتي الجارديان البريطانية والهافنجتون بوست الأمريكية، لكأنه نذر قلمه لتعقب السيسي أينما حل وحيثما ذهب، وكيفما أتي من الأفعال أو ترك.
وديفيد هيرست لمن لايعرفه مراسل صحفي عمل طويلاً في منطقة الشرق الأوسط وأقام في بيروت، وعمل مراسلاً لصحيفة الجارديان البريطانية من 1963 - 1997 وسبق منعه من دخول مصر والسعودية وسوريا والعراق، يعمل حالياً رئيسا لتحرير الميدل إيست آي التي تصدر من لندن وتغطي أخبار الشرق الأوسط بالإنجليزية والفرنسية. وهو معروف بميله الشديد لدعم ومناصرة تيارات الإسلام السياسي ودائماً ما يكتب داعماً لقضايا الإخوان المسلمين متبنياً وجهات نظرهم ودعاواهم مهما كانت باطلة أو ملفقة، يتباكي معهم علي د. محمد مرسي وديمقراطيته المزعومة والمهدرة بسلطة انقلاب السيسي، علي حد قوله، الذي استمر متمسكاً به حتي بعد الانتخابات الرئاسية التي أتت بالسيسي رئيساً بنسبة كاسحة غير مسبوقة. عشرات المقالات التي كتبها ديفيد هيرست تركز علي خطورة استمرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في السلطة، وأن عليه أن يرحل سريعاً قبل فوات الأوان، لأن بقاءه في السلطة يعني كارثة حقيقية لمصر كدولة وشعب. وقد حذر أوروبا من استمرار السيسي في الحكم، في مقال شهير له في الهافنجتون بوست نشر في نوفمبر الماضي واصفاً السيسي بأنه رئيس أكثر نظام قمعي وإجرامي عرفته مصر في تاريخها الحديث، ولذلك عليه أن يرحل، لافتاً إلي أن مصر في طريقها إلي كارثة محققة، قد تؤدي في النهاية إلي انهيار الدولة، وإلي الهجرة الجماعية باتجاه أوروبا. وهو لم يبد في مقاله هذا أية أسباب موضوعية بني عليها دعاواه ولا قدم مبررات يمكن البناء عليها فيما قفز إليه من استنتاجات وتوهمات. وليته توقف عند هذا الحد، لكنه راح بالإيحاء والإسقاط محرضاً علي الانقلاب العسكري ضد السيسي في سابقة لم نعهدها من كاتب أو محلل سياسي يملك عقله ووعيه ولاتحركه أحقاده غير المفهومة أو دوافعه الخفية إلي القول: قبل أن نصل إلي ذلك المصير، لابد أن يقدم أحد ما علي فعل شيء ما، حتي لو كان ذلك الشخص ضابطاً آخر من داخل الجيش المصري، وهو الأمر الذي لم يعد مستبعداً فيما يبدو». إنها أمنيات كاذبة لكاتب مغرض ربما يعاني من نوبات رهاب وصرع لكابوس يجسم علي صدره ويؤرق عليه معيشته اسمه عبدالفتاح السيسي الذي انتخبه الشعب ويصعب أن يسقطه مقال أو مائة لهيرست وأعوانه.
وإذا ماعدت إلي مقال هيرست الذي سيطرت عليه توهمات وفنتازيا ودراما الزومبي والـ Walking Dead’s في أفلام جورج روميرو الأمريكية وليلة الحي الميت، فلن تجد إلا تنويعات علي تيمته التي باتت مستهلكة »السيسي لازم يمشي»، فتجده يعيد ما سبق للإيكونوميست أن طالبت به بأن علي السيسي أن يعلن عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية 2018. ولأن الكاتب يفتقد المعلومات الموثقة عن الواقع المصري فهو يضع قائمة لبدائل للسيسي من قيادات المؤسسة العسكرية مثل الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق والفريق صدقي صبحي والفريق محمود حجازي، ثم يقفز قفزة عجيبة قيقول: »إلا أن القائمة تخلو من اسم أي شخص له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين أو يمثلها أو ينتمي إليها» ويدشن مفاجأته البلهاء »من الأشخاص المنفيين الذين ترد أسماؤهم في هذا المجال أيمن نور، أحد أبرز زعماء المعارضة الليبرالية ومؤسس حزب الغد، ومحمد محسوب، أحد أبرز زعماء حزب الوسط وأستاذ القانون الذي يقيم حالياً في فرنسا. كلا الرجلين ينشطان حالياً في مبادرات تستهدف إعادة إحياء المعارضة السياسية داخل مصر». وهكذا يثبت هيرست أنه غير عارف علي الإطلاق بالتركيبة السياسية للمجتمع المصري، ولا يعرف أن محسوب محسوب علي الإخوان، ولا أن أيمن نور من صنائعهم وداعميهم، وكلاهما يفتقد أية مصداقية أو شعبية في مصر. ولايمكن لأي منهما أن يجد عشرة مناصرين له يعينوه علي دخول مصر، ناهيك عن الترشح للرئاسة، وياله من وهم.
نقول هذا ونأسف علي افتقاد هيرست لأية مصداقية أو مهنية أو حتي قدرة علي القراءة الصحيحة للسياسة المصرية، ولئن أشار في مقاله عن الأزمة الاقتصادية والصعوبات التي تعيشها مصر، فنحن لا ننكر هذا، بل نزيد بأننا في الوقت الذي نرفض فيه وصايته علي المصريين وإملاءاته هو ومن يستكتبه ويدفع به لقطع الطريق علينا، نعترف بأننا أمام فشل حكومي واضح وتداعي سياسات وخيارات لابد من تغييرها، ونعترف أيضاً بأ ن اختيارات الرئيس لرجالات الدولة خيارات خاطئة، وهو مسئول عنها ويدفع ثمنها غالياً من شعبيته ومن رصيد ضعف التماسك الوطني الذي يهدد التنمية في مصر ويؤخر الإصلاح ويرفع منسوب عدم الرضا لدي الجماهير التي تئن من تدني الخدمات ومستوي المعيشة، ونحن في دفاعنا عن السيسي لانأتي من خندق الدراويش والمطبلين، وإنما ننطلق من أرضية وطنية تدافع عن تجربة وطنية أفرزتها ثورتان، نعم هي تجربة متعثرة، لكن ليس لدينا بديل إلا الإصلاح من أرضية وطنية تزيدها كتابات هيرست ومن علي شاكلته تمسكاً بالسيسي باعتباره تمسكاً باستقلال قرارنا الوطني، إذ من يحكم مصر قضية وطنية لانسمح لأحد أن يتدخل فيها أو يملي علينا ما يراه ويتمناه. السيسي لايزال حياً يدب بقوة علي الأرض وفي ضميرنا الوطني ونحن أولي بتقييمه ومحاسبته وليس أحد آخر.
أقول هذا وراجعوا مقالاتي في الأخبار» فهي شاهد علي أمانة الكلمة والتجرد لصالح الوطن. وأننا ماكتبنا إلا لمصر.