على هاشم
ترامب.. كلينتون.. لا فرق استطلاعات الرأي عندنا وعندهم..!!
بين الدول المتقدمة والمتأخرة فارق كبير في درجات الإفصاح والشفافية وتداول المعلومات والتجاوب مع الناس من جانب الحكومات ووجود رقابة ومحاسبة شعبية لأجهزة الحكومة والبرلمان وكل مسئول في الدولة.. ومن ثم فلا عجب أن تحظي استطلاعات الرأي الغربية ـ مثلاً ـ وكذلك المناظرات التي تجري بين مرشحي الرئاسة باهتمام بالغ ونسب مشاهدة عالية اقتربت من ال100 مليون مشاهدة في مناظرة كلينتون- ترامب المرشحين الرئاسيين للبيت الأبيض والتي جرت مساء الاثنين الماضي وسط ترقب كبير من جانب الأمريكيين والمتابعين للشأن الأمريكي حول العالم.
المصداقية العالية التي تتمتع بها استطلاعات الرأي في الدول المتقدمة تجعلها موضع اهتمام جماهيري. فنتائجها فيما يخص الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية تكاد تتطابق مع الواقع بصورة مذهلة. بل هي انعكاس لواقع يسبق هذه الانتخابات مباشرة. ومؤشر حقيقي يرصد اتجاهات الناخبين وتفضيلاتهم وقناعاتهم السياسية في دول مثل أمريكا وفرنسا وإنجلترا وحتي إسرائيل.
أما في غير الدول المتقدمة فيجري تلوين استطلاعات الرأي بألوان الهوي السياسي والأيديولوجي للقائمين عليه. ويشوبها قلة الاحترافية وغياب الموضوعية والثقافة المشجعة لمثل هذه الاستطلاعات الهمة.
في آخر استطلاع أجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة إيه بي سي نيوز حظيت هيلاري كلينتون بتأييد نحو 46% من المشاركين في الاستطلاع مقابل 44% يؤيدون الجمهوري دونالد ترامب.. وهو فارق ضئيل للغاية سوف يحسمه ال 20% من الأمريكيين الذين لم يحددوا موقفهم بعد وربما تلقي المناظرات الانتخابية التي بدأت بين ترامب وكلينتون. وألقت حجرًا كبيرًا في مياه السياسة الأمريكية وسوف تحدد الوجهة التي سيوليها الناخب الأمريكي لصالح أحد المرشحين المتنافسين بقوة.
وفي كل الأحوال وأيا كان اسم المرشح الفائز فإن ثمة ثوابت سياسية أمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء وانتماءاتهم السياسية. ومن ثم فلا مجال للتفاؤل بفوز مرشح معين نظنه مدافعًا عن قضايا العرب والمسلمين مثلما انخدع كثيرين في أوباما ذي الجذور الأفريقية الإسلامية. لكنه كان أكثر تدميرًا وأشد تخريبًا لبلدان المنطقة حتي من بوش الابن الذي افتتح الغزو الأمريكي للوطن العربي باحتلال العراق في عام 2003 بعد إسقاط صدام حسين. ومن ثم فلا ينبغي أن نعلق آمالاً علي فوز مرشح دون غيره. ولا ينبغي أن نراهن إلا علي أنفسنا وإفاقتنا من غيبوبة طالت حتي جعلتنا مطمعًا لكل من هب ودب.فتاريخ أمريكا معروف وانحيازها لإسرائيل لا يخفي حتي أن ولاء أي مرشح أمريكي للوبي اليهودي في أمريكا يكاد يكون شرطًا أساسيًا في نجاحه وعبوره إلي مقعد الرئاسة.
تقاس الدول بما تملكه من معرفة وعلم ومعلومات صحيحة وأفكار خلاقة تنتجها عقول نيرة ومراكز أبحاث متقدمة ترصد وتحلل كل شاردة وواردة في مجالات الحياة كافة وفق منهج علمي دقيق يتيح لصانع القرار مرونة في الحركة وعمقًا في الرؤية.. والسؤال هل تملك مصر شيئًا من هذه المراكز البحثية المتقدمة..؟! والجواب : أنه ليس هناك مراكز بارزة باستثناءات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.. وهي علي محدوديتها لا يتم الاستفادة بها علي الوجه الأمثل.. وحتي ما كان بارزًا منها اختفي تمامًا بعد ثورة يناير.. وأقصد بالطبع مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء رغم أننا في مسيس الحاجة إلي جهوده ورصانته التي اشتهر بها ليجيبنا عن تساؤلات ملحة تدور في عقول الناس بخصوص قضايا الساعة وأزمات المرحلة وكيفية مواجهتها والتعامل معها.
توقعت مثلاً أن أجد أثرًا سواء لمركز المعلومات الحكومي أو لغيره من المراكز الأكاديمية أو الخاصة يصنع ما يصنعه مثيله في دول العالم المتقدم. يتيح المعلومات ويوفر التحليلات العلمية لإشكاليات الوقت. ويجيبنا مثلاً عن لغز زيادة الأسعار.. ولماذا تراجعت قوة الجنيه المصري.. وكيف يؤثر التضخم والغلاء في الحالة النفسية للمواطن.. وكيف ينظر المواطن لأداء الحكومة ووزرائها ومحافظيها.. ومن أكثرهم قربًا من الشارع..ومن أكثرهم إثارة للجدل والغضب الشعبي..وللأسف افتقدنا الدور الحقيقي لمركز المعلومات إياه في مثل هذه القضايا الحيوية.. ويزداد العجب إذا عرفنا أنه ظهر أخيرًا في حالات بعينها وقد تقزم دوره حين اكتفي بالرد علي شكاوي المواطنين وبلاغاتهم وما يثار من شائعات يأتي الرد عليها متأخرًا تمامًا بعد اشتعال النار في الهشيم.
فلماذا انطفأت مشاعل مركز معلومات مجلس الوزراء الذي كان بؤرة ضوء قبل الثورة. يضم خبراء وكوادر مؤهلة لصياغة التقارير المتخصصة وتقديم قراءة علمية لمجريات الأحداث واستشراف المستقبل والاشتباك مع قضايا المجتمع وظواهره الخطيرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وتكنولوجيا.. يحلل جوانبها ويستقصي أسبابها. ويضع الحلول ويستخلص العبر والدروس واضعًا عصارة فكره أمام صانع القرار.
وكثير ما انفرد المركز قبل الثورة باستطلاعات رأي عام تغوص في أدق وأخطر قضايا الوطن والمواطن.. تقيس رضاه عن أداء الحكومة بصرف النظر عن تسليمنا بها أو تحفظنا عليها فقد وضع أمام صاحب القرار جوانب متعددة للحقيقة. وليس الحقيقة الكاملة بدراسات علمية واستقصاءات تجعل اتخاذ القرار عملية ميسورة مدروسة. وتهدي المسئولين إلي أفضل الخيارات والبدائل المتاحة دون هوي أو غرض.
كان مركز معلومات مجلس الوزراء وسيلة إيقاظ للوعي والاستنارة ينشر يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا خلاصة جهود دءوبة للعاملين فيه. ويضع أمام المجتمع وقياداته ما ينفع الجميع ويجعلهم أمام ضمائرهم ومسئولياتهم حيث قدم مثلاً كتابًا مهمًا بعنوان ¢ الرؤية المستقبلية لمصر ¢ الذي حوي حلولاً واقعية لمشكلات معقدة أوقظ بها الضمائر. وسعي للتخلص من الفساد.. كل ذلك اختفي بكل أسف ليقتصر دوره علي تنفيذ تعليمات تأتيه من أعلي للرد علي ما يثار هنا وهناك من شائعات وشكاوي. وانطفأ بريقه فلم نعد نذكر حتي اسم رئيسه ولا إصداراته وتقاريره ورؤاه العلمية.. ولست أجد تفسيرًا لهذا الغياب فلا يزعم أحد أن البيئة السياسية الحالية في أحسن حالاتها. ذلك أنها مشحونة بصراعات مصالح تتجاذب النخبة وتحكم حركاتها وسكناتها وسلوكياتها. وثمة جماعات عنف لا تزال تعادي وتستنزف الدولة وتصر علي هدمها. وهناك ملايين من البسطاء يعانون نقصًا في المعلومات وتشويشًا في الوعي وفقدانًا للبوصلة وهو ما يعكس الضرورة القصوي التي تحتم وجود مثل هذا المركز بدرجة عالية من الاحترافية والكفاءة والموضوعية والمصداقية التي تعوض غياب الحكومة وعدم تواصلها مع الناس حتي شعر المواطن بضبابية وتوهان. فلا الحكومة نجحت في ضبط الأسعار. ولا نجحت في إقناع الناس بجدوي ما تتخذه من قرارات صعبة ومؤلمة وتركت هذا المواطن فريسة للآلة الجهنمية للكتائب الالكترونية تنهش في عقله ووجدانه وقناعاته التي خرج لأجلها في 30 يونيو.
جنون الأسعار يكوي الفقراء. ويسحق ما تبقي من الطبقة الوسطي. خصوصًا بعد تداعيات القيمة المضافة التي استغلها البعض في زيادة الأسعار بصورة جنونية. وقابلها للأسف تراجع في القدرة الشرائية للجنيه وزيادة في أعداد المتعطلين عن العمل.. حتي وجد المواطن نفسه لقمة سائغة في أفواه مافيات عديدة من هجرة غير شرعية إلي احتكار للسلع الأساسية إلي مافيا الاستيراد وتوريد الأقماح والغش والنصب. الأمر الذي يدفع بتساؤلات حائرة إلي عقل كل مواطن لا يزال يحب ويقدر رئيسه وقيادة بلده : هل تخلت عنه الحكومة وتركته دون حماية في مواجهة رأسمالية جشعة لا تراعي الله في الوطن ولا المواطن..؟!
أين مركز المعلومات من مثل هذه القضايا الحياتية المهمة..كيف لا تتباري مراكز استطلاعات الرأي في الإجابة عن سؤال محوري : لماذا يعزف شبابنا وهم 60% من تعداد السكان عن السياسة وينغمسون في عالم افتراضي لا تؤمن مخاطره. ويطلقون العنان في النقد والبوح بالأسرار وتكوين المجموعات وتبادل الآراء بحرية كبيرة علي مواقع التواصل الاجتماعي بينما يخاصم الأحزاب العاجزة عن استيعاب تلك القوي الجديدة بشكل جيد والتي لم يلفت نظرها مثل هذا الغياب رغم أن مستقبلها مرهون بطاقات هؤلاء الشباب ما لم يكن أقصي طموحاتها الفوز ببضعة مقاعد تحت قبة البرلمان.
الناس في حاجة إلي من يقترب منهم. يشعر بآلامهم وطموحاتهم يقول لهم ببساطة كيف سيصلح التعليم المرهق لجيوبهم والصحة المعتلة. كيف سيوقف زحف الغلاء والتضخم والعنف والبلطجة.. الناس تحتاج إلي تفاعل حكومي معهم وشرح وتبسيط للمعلومات وكيف ستحارب الحكومة الهجرة غير الشرعية بتوفير بيئة جاذبة للمهاجرين وليس بالعقوبات وحدها علي أهميتها.. كيف ستعاقب المتاجرين بالبشر فيما حدث في كارثة رشيد.. متي تقطع الحكومة دابر الفاسدين وتسد بلاعات الفساد.. متي يتساوي الجميع أمام القانون وينتهي زواج المال بالسلطة والإعلام والمصالح.. متي يتوقف الاعتداء علي أراضي الدولة وأموالها..؟!
لا شك أننا في حاجة لاستعادة الأخلاق القويمة بالتوازي مع تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. ومتي ينهض الإعلام والأحزاب السياسة والمجتمع المدني بدورها في التنمية والتوعية بظواهر كارثية مثل الزيادة السكانية الهائلة التي تفترس جسد الوطن في ظل ضعف الموارد.. كيف نحول طاقة شباببة تمثل نحو 60% من الشعب إلي قوة مضافة حقيقية لا نقمة تعوق فرص التقدم والرخاء..نحتاج لإجابات شفافة من مراكز معلومات تنهض علي العلم والمعرفة والوطنية.