المساء
نبيل فكرى
مساء الأمل .. الموت أفضل صباحا!
استقبل يومك بالموت.. ذلك أفضل.. كل شيء يكون بكرا. طازجا. حتي الموت.. أن تكون في أول ¢الصف¢. ذلك أفضل.. أن يبدءوا بك.. أن ترحل والكون مشمس. ويؤنس وحدتك المارون بلا هدي. يضحكون. وكأنك لم تكن هنا.
فيما كنت تفكر وأنت ¢تبحر¢.. في رحلة اللاعودة؟.. أنت من قرر ألا يعود.. أنت من قبل الموت.. بديلا عن الموت. والغربة.. بديلا عن الغربة.
ألم يكن لديك خيار؟.. أحسب أنك فضلت أن تموت ¢كثيرا¢ بدلا من ¢موت القطعة¢ الذي أرّقك.
لكن ما ذنب صغيرك؟.. وما ذنب أمك.. هذا النائم في ¢شبكة صياد¢ لم يكره صيده مثلما اليوم. وتلك الباكية علي جسر الوداع الدائم وشاطئ الذكريات المرة غالبا.. هل كانت تغزل معك خيوط الأمنيات. فلما تقطعت دلتك علي ¢الخلاص¢.
من تلوم الآن وأنت هناك؟.. قل لي ماذا تفعل هناك؟ وكيف هناك.. هل هناك كما هنا؟.. بالطبع لا.. لا مواكب ولا مراكب.. لا أرق.. أخشي أن أحدا ذهب هناك قبلك أسرّ إليك بما رأي. فسرت خلفه. وإلا ما دفعت ما دفعت لتطفو.. أو ربما هناك حيث تطفو. كان اتفاقك علي الرحلة.. هناك حيث تلتقون.
سأخبرك الآن ماذا يقولون عنك: أنت الناكر للنعمة.. أنت الجاحد.. أنت ¢الكاشف للعورات¢.. أنت من تجرأ ¢موتا¢.. أنت وكل الأموات.
أنت الطماع الراغب في الثروات.. أنت الهمجي.. العبثي.. من أحرجنا أمام القنوات.. أنت لم تمت كما تدعي. ولم تكونوا مائتين وأكثر.. هناك من واريتم عنا هربا من ضريبة ¢الراحة¢.
لكن.. هل رأيت كيف ودعناك؟.. كان وداعك كما ينبغي.. ما كنت تحلم في حياتك بهذا الصخب وتلك الحفاوة.. الكبار تحدثوا عنك وشرعوا من أجلك القوانين.. المسئولون كانوا هناك.. ليسوا كلهم.. بعضهم.. نعم لو طلبتهم وأنت حي ما زاروك.. هل تقارن نفسك وأنت حي بما أنت عليه الآن.. الآن أنت ¢حي¢ أكثر.
حين رحلت أعلنوا حالة الطوارئ.. لم تشهدها وأنت بيننا فاشهدها اليوم وأنت هناك.. رحيلك طارئ وحياتك اعتياد.. أنت في الحالتين استثناء.. لكنك لست استثناء مبهجا.. فقط يزعجهم صراخك وصمتك. لكن الأخير يستدعي الاحتفال.
لا تلوموا البحر. فكل ما فعله أنه استجاب.. تكدسوا في تلك الأركان الضيقة مواكب بعضهم فوق بعض. ورقصوا رقصة الموت الأخيرة من أجل ماذا.. خرجوا مع الزوجة والابن من أجل ماذا.. ألقوا بالهوية في القاع من أجل ماذا؟.. من أجل هذا المصير.. لا تلوموا البحر. فسيبقي بعد أن يرحل الراحلون.
أخيرا. أيها الراحل : اذكرنا عند ربك.
** ما قبل الصباح
* ما بين الليل والصباح لحظة ميلاد.. ساعتها رحلوا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف