الأهرام
عبد الرحمن سعد
هداية البشرية بكفاية النفس
جانب كبير من أزمة المسلمين اليوم، فيما أرى، هي في ذلك التداخل بين حياتهم وحيوات غيرهم، دون تحديد إطار واضح لأدوار الجميع؛ فتختلط الأمور، وتتعدد الأدوار والمهام، وتلتبس الحقوق والواجبات، ويذوب بعضها في بعض، فينشغل كل فرد بما لا يعنيه ولا يخصه، عما يعنيه ويخصه.
ولا علاج لتلك المشكلة سوى بتطبيق تعاليم الله تعالى، ووصايا نبيه، صلى الله عليه وسلم؛ كي يريح المرء ويستريح، ويسلم من الآخرين، ويسلموا منه، بعد أن يكون قد عرف كل منهم، بشكل واضح، دوره المنوط به في هذه الحياة، والواجبات التي يجب أن ينهض بها، بما يتكامل، ولا يتعارض، مع أدوار من حوله، وواجباتهم.

ولو وضع الناس هذه الآية القرآنية الكريمة نصب أعينهم، ومحل تدبرهم، وباعثا لعملهم؛ لسعدوا في حياتهم، وهنأوا وهنأت بهم ومعهم، البشرية، بل والكائنات كافة. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ".(المائدة: 105).

وبحسب ما فهمته من الآية: مطلوب منك، أيها المسلم، أن تستثمر في نفسك، وتحسن فهمها، وتتابع تقويمها، وتعرفها ربها، وتحملها على طاعته، وتجاهد نفسك، إذ الضرر الأكبر عليك، إن أهملت إصلاحها, أو قصَّرت فيما يقرِّبها من ربها.

وفي المقابل: إذا قمت بدورك، هذا، الحقيقي، وأدركت أبعاده وكنهه، وعملت بمقتضياته، على أتم وجه، حسبما تيسر لك، فلن يضرك من ضلَّ عن الهدى والحق، إذا أنت اهتديت.
وحتى الأنبياء، عليهم السلام؛ أمرهم الله تعالى بالبلاغ فقط، أما النتائج فبيده سبحانه.

وبحسب المفسرين، وفي مقدمتهم "ابن كثير": "يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم، ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، مخبرا لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس ، سواء كان قريبا منه أو بعيدا، إذ يُجازى كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر".

وإزاء الفهم الملتبس من قِبَلِ البعض للآية، على أنها دعوة إلى ترك "الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر"، على الرغم من أن هذا الأمر والنهي، هو من صميم الدور الرئيس للمسلم في الحياة، فقد روى أصحاب السنن، وابن حبان بصحيحه، وغيرهم، من طرق كثيرة، عن جماعة كثيرة، حديثا يصحح ذلك الفهم.

"قام أبو بكر، رضي الله عنه، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: "أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الناس إذا رأوا المنكر، ولا يغيرونه؛ أوشك الله، عز وجل، أن يعمهم بعقابه".

وفي رواية: "قال أبو بكر، وهو على المنبر: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه, عَمَّهم الله بعقابه".

وفي رواية ثالثة: "قال أبو بكر: "يا أيها الناس: لا تغترُّوا بقول الله: "عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ"، فيقول أحدكم: عليَّ نفسي. والله لتأمرن بالمعروف، وتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليَستعملن عليكم شراركم، فليسومنّكم سوء العذاب, ثم ليدعون الله خياركم، فلا يستجيب لهم".

وروى ابن جرير عن الحسن أنه قرأ الآية ثم قال: "الحمد لله بها، والحمد لله عليها.. ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله".

وقال سعيد بن المسيب: "إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت"، وكذا قال غير واحد من السلف.

فالسياق السليم للآية هو أن الدعوة إلى الله تعالى؛ فرض عين على كل مسلم، بما تتضمنه من إصلاح النفس، ودعوة الغير. وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية". (البخاري).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف