عبد المعطى احمد
مرتبات الوزراء مازالت مجهولة!
إذا كانت مصر تتميز بوجود جهاز إدارى عقيم يضم نحو 65 مليون موظف، والخبراء يطالبون بضرورة تقليصه الى النصف فإنها أيضا تتميز بوجود أكبر عدد من الوزارات يحصل المسئولون عنها على مليارات الجنيهات دون فائدة حقيقية على الوطن أو المواطنين، ففى الوقت الذى قام فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتنازل عن نصف راتبه الذى يقدر بـ 42 ألف جنيه، مؤكدا انه يستطيع العيش بالنصف الآخر، فإن رواتب الوزراء فى مصر مازالت مجهولة!!
المثير للدهشة فى هذا الأمر أنه صدر قانون يحدد مرتب رئيس الجمهورية فقط، ولم يصدر قانون يحدد مرتب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ومازال القانون القديم الذى تم وضعه فى الثمانينيات معمولا به دون تطبيق حقيقي!! يحدث ذلك بعد خلع رئيس وعزل آخر، وبعد كشف أجهزة الدولة الرقابية عن فساد وزارة التموين، ومن قبله فساد وزارة الزراعة، والذى بلغ مليارات الجنيهات من قوت هذا الشعب الصامد الصابر وماترتب عليه من إقالة وزيرى الوزارتين! وليسمح لى القارئ الكريم أن أقفز به الى حيثيات حكم قضائى عالج قضية فساد مرتبات الوزراء أصدرته محكمة القضاء الإدارى بالاسكندرية برئاسة المستشار الجليل الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة بجلسة 25 يونيو 2013 أى قبل ثورة 30 يونيو بخمسة أيام والناس تملأ الميادين، وكان الحكم بمناسبة إلزام وزير الإعلام الإخوانى صلاح عبدالمقصود برد المكافآت التى تقاضاها من رئيس مجلس الوزراء الدكتور هشام قنديل دون وجه حق، والتى قاربت ربع مليون جنيه خلال 4 أشهر.
ومن العجيب أنك عندما تقرأ هذا الحكم فى الصفحات الثلاث منه تجد تشخيصا دقيقا لحالة الفساد التى ظلت جاثمة على الشعب، وكأن القضاء يستقرئ المستقبل على ضوء تجارب الماضي، ولكن الحكومة أو قل الدولة لم تفتح عينيها عليه، قال الحكم تحديدا عن مرتبات الوزراء: «إن مرتب رئيس مجلس الوزراء ورئيس البرلمان وفقا للقانون رقم 100 لسنة 1987 المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 1989 ستة آلاف جنيه سنويا وبدل تمثيل مثله، ومرتب الوزير أربعة آلاف و800 جنيه سنويا وبدل تمثيل مثله»، ثم بمضى الحكم القضائى الرصين واصفا أزمة الفساد بقوله: «لا يوجد منح هؤلاء ثمة مبالغ غير تلك الواردة فى القانون وهم الفئة التى يجب أن تلتزم وتخضع لهذا القانون باعتبارهم المثل والقدرة فى المجتمع وإن صلاحهم أو فسادهم يؤثر وينعكش حتما على الشعب وينقل اليه الصلاح أو الفساد حيثما يولوا عليهم فالناس على دين رؤسائهم فى مجال المسئولية والالتزام بحكم القانون خاصة أن هذا القانون تم خرقه فى ظل النظام السابق (نظام مبارك) وما كان يجب على النظام الحاكم (نظام الإخوان أنذاك) أن يسلك ذات النهج الذى انتهجه النظام السابق وثار الشعب للقضاء عليه وعلى كل مظاهر الفساد الأخري، واستطرد الحكم قائلا: «إن المخاطر التى تنتج عن مخالفة القواعد القانونية والإفلات من أحكام القانون المنظم للمعاملة المالية للوزراء وكبار رجال الدولة هو الذى أدى الى فوز البعض فى ظل النظام السابق بالنفوذ والسيطرة والمال وتمكين هذا البعض من سلب المال العام والإفلات به حيث مستقر سحيق قد يصعب على أجهزة الدولة الوصول اليه بالطرق المشروعة، ومن ثم يضيع على الوطن جهد وعرق أبنائه ودماء شبابه»، وهذا ما حدث بالفعل من سويسرا عندما رفضت استرجاع أموال الشعب لديها من النظام الأسبق.
علما بأن هذا الحكم هو أول حكم يكشف عن الرواتب القانونية التى كان يجب أن يتقاضاها رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء والبرلمان والوزراء، وإعمالا به أصدر الرئيس المؤقت السابق المستشار عدلى منصور قانونا بتحديد راتب رئيس الجمهورية وحتى الآن لم يطبق الحكم على من ذكروا، وسؤالى هو: لماذا لا تقوم الحكومة بدراسة الأحكام ذات الصبغة التاريخية المهمة عقب الثورات؟ ولماذا لا تعمل على تنفيذ ما ورد بها من مبادئ؟ حقا إن الأحكام التاريخية المستنيرة مثل كفاح الشعوب لا تموت ولا تتغير بتغير الأنظمة. تحية إجلال لهذا القاضى الوطنى الشجاع.