الأهرام
أسامة الألفى
المدرسون وموسم الهجرة إلى المال
كل عام وحضراتكم بخير، غدًا تبدأ الأسرة المصرية رحلة معاناة جديدة، تضاف إلى معاناتها الحياتية اليومية من الغلاء وسوء الخدمات، ببدء الدراسة بالمدارس، وما يعنيه ذلك من متطلبات مصروفات الدراسة وشراء الزي المدرسي والشنط والكتب الخارجية والكراريس والأقلام، والدروس الخصوصية أيضًا. وحدهم المدرسون سعداء ببدء موسم الهجرة إلى الدروس والفلوس، والذي بدأ بالفعل بالنسبة لمن يدّرسون للثانوية العامة منذ منتصف شهر أغسطس، في غيبة من أية تحركات حكومية للحد من الظاهرة التي استفحل خطرها في العقدين الأخيرين، ولم تنجح التهديدات الكلامية لوزراء التربية والتعليم في إيقافها أو على أضعف الإيمان الحد منها، فالاعلانات توزع جهارًا نهارا وتلصق على حوائط المنازل وأعمدة الكهرباء، داعية الطلاب إلى الالتحاق بمراكز الدروس الخصوصية، وأُطلقت تسميات على مدرسي هذه المراكز، فهناك عملاق الرياضيات وعبقري الكيمياء وإمبراطور اللغة العربية وأسطورة التاريخ .. ألخ، وهي ألقاب لم ينلها أحمد زويل ولا مجدي يعقوب، وبات المدرسون يمتصون دماء مواطنيهم بحجة ضعف رواتبهم، غير آخذين في الإعتبار أن أولياء أمور الطلاب يعانون مثلهم من ضعف الرواتب، فكنز المال صار همهم الشاغل، بعدما تخلوا عن قيمهم التربوية، ورضوا أن يكونوا مثل المرابي اليهودي يمتص دماء ضحاياه دون أدنى شعور بوخز الضمير.

وأذكر أن الدروس الخصوصية على أيامي كانت موجودة على استحياء، وفي مواد معينة كاللغات والرياضيات، ولم تكن بهذا البروز والانتشار، إذ كانت المدارس تؤدي دورها بفاعلية، وتنظم مجموعات تقوية للضعفاء بمبالغ رمزية، والطلاب والمدرسون ملتزمون بالحضور إلى الفصل، والأهم أن الطلاب كانوا يخجلون من مطالبة أهاليهم بدرس خصوصي واحد، لأن هذا كان يعنى أنهم خائبون.

كانت الدروس الخصوصية اسثناء فصارت اليوم القاعدة، ولم تعد مقتصرة على الطلبة الخائبين بل شملت أيضا المتفوقين.

إن تجريم الدروس الخصوصية لن يقضي على الظاهرة ولن يحد منها، فسوف تنتقل مما يسمى مراكز تعليمية إلى بيوت الطلاب، وبشكل يرهق ميزانية الأسر المصرية أكثر، والحل في تقديري يتمثل في إعادة الدور المفتقد للمدارس، بتخليصها من الفوضى، وإلزام كل مدرسة بعمل فصول تقوية في جميع المواد بأجر رمزي مناسب، يحصل المدرس منه على عائد 75% والمدرسة على 25% تخصص لسداد رسوم غير القادرين، وأيضا لمكافأة العاملين الإداريين الذين تستلزم حضورهم للإشراف على فصول التقوية، على أن يحاسب ناظر أو مدير مدرسة يتقاعس عن إنشاء هذه المجموعات والإشراف على سير الدرس بها، ويفصل أي مدرس لا يقبل المشاركة فيها.

وقبل هذا وبعده لابد من عودة المدرسين والطلاب إلى الفصول الدراسية، التي هي أصل العملية التعليمية. إن اجتثاث سرطان الدروس الخصوصية يحتاج إلى عمل جاد وحازم، يتمثل في خطوة عملية بفصل المدرس الذي يثبت عدم قيامه بواجبه في الفصل، وتعيين من يحل محله من خريجي كليات التربية العاطلين.

يبقى أن تعالج الظاهرة من خلال الوازع الدينى أيضًا، وعلى الأزهر والكنيسة أن يفتيا بالرأي في استحلال أو تحريم الأموال المتحصلة عن الدروس الخصوصية، بإعتبارها لونًا من ألوان الاستغلال تجرمه وتحرمه سائر الأديان، والأموال الناتجة عنها هي سحت لا بركة فيها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف