المساء
مؤمن الهباء
شهادة - استعراض حرق الكتب !!
متي يعرف الإرهابيون والمتطرفون والمعتدلون والوسطيون والوطنيون والإسلاميون والليبراليون والشيوعيون أن حرق الكتب لا يحل أي مشكلة.. وأن العالم تجاوز هذه المرحلة البدائية وصار من مسلماته أن الفكر لا يواجه بحرق الكتب وإنما يواجه بالفكر الأكثر انفتاحاً واعتدالاً وجاذبية وإبداعاً واحتراماً للعقل الإنساني.
متي يتأكد لهؤلاء المتحمسين جميعاً أن مشهد حرق الكتب غير لائق وغير مقبول في مصر وفي العالم من حولنا.. وأن الشيء إن زاد عن حده انقلب إلي ضده.. وأن المبالغة في إثبات الولاء والرغبة الجامحة في خطف "الشو الإعلامي" ستؤدي حتماً إلي نتائج عكسية.. وفي درس الدبة التي قتلت صاحبها عبرة وعظة.
لقد كان مشهد استعراض حرق الكتب في فناء إحدي مدارس الجيزة بحضور وكيلة وزارة التربية والتعليم مخجلاً لمن يعرف قيمة مصر الثقافية وقدرها ودورها في مجال التربية والتعليم.. ومهما كانت المخالفات والاتهامات الموجهة إلي المدرسة والقائمين عليها فقد كان يكفي تطبيق اللوائح والنظم بكل قوة بعيداً عن هذه اللقطة المتخلفة التي لا تليق بمصر وتاريخها الثقافي.
كان يكفي السيدة وكيلة الوزارة ولجنتها أن تتأكد من أن المدرسة المقصودة ـ وكل المدارس ـ تلتزم بالنظام الذي وضعته الوزارة والمناهج التي قررتها ولا تتجاوز الدور التربوي المنوط بها لغرس الانتماء الوطني في نفوس التلميذات والتلاميذ.. وتتشدد في تطبيق اللوائح والنظم لضمان عدم تسرب التيارات الإخوانية والحزبية فيما يدرس للتلميذات والتلاميذ داخل الفصول.. وما يطرح عليهم في طابور الصباح.. لكن المبالغات والمزايدات خرجت بالوكيلة ولجنتها من هذه المهمة التربوية الوطنية إلي مهمة أخري أملاً في تحقيق "الشو الإعلامي".. حيث يُقال إنها كانت مرشحة في فترة ما لمنصب وزير التربية والتعليم.. ولعلها أرادت أن تلحق بما فاتها.
وكلن يكفي السيدة وكيلة الوزارة ولجنتها أن تفحص الكتب الموجودة في مكتبة المدرسة بدقة.. وإذا ساورتها الشكوك في توجهات بعض الكتب وبعض المؤلفين فقد كان الواجب يملي عليها أن تسأل وأن تستشير من يقرأون ويعرفون بدلاً من أن ينكشف أمر لجنتها التي وضعتها في حرج بالغ حين صنفت كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبدالرازق وكتب العلماء عبدالحليم محمود وعثمان أمين وحسين مؤنس ومحمد فريد وجدي علي أنها كتب هدَّامة تحرِّض علي العنف والإرهاب.. وصنفت كاتباً مثل رجب البنا رئيس تحرير مجلة أكتوبر الأسبق بأنه ينتمي لجماعة الإخوان.
وحتي أول وجدت في مكتبة المدرسة كتباً لا تتوافر فيها المواصفات التي وضعتها الوزارة ولا تطمئن هي إليها فقد كان عليها أن ترفع هذه الكتب وتضع مكانها كتباً أخري تتوافر فيها المواصفات.. وتحيل هذه الكتب المغضوب عليها إلي مواقع أخري قادرة علي أن تقرأ وتفرز وترد علي الأفكار الهدَّامة.. وأن يجري ذلك في هدوء بعيداً عن الإثارة.. ولو وصل التطرف منتهاه وقررت الوكيلة حرق الكتب فقد كان يكفي أن تحرقها في مكان بعيد عن التلميذات وعن فناء المدرسة وفق ما طالب به العميد متقاعد عادل جلال مدير أمن المدرسة.. لكن الواضح أن السيدة الوكيلة كانت محكومة بالرغبة في الظهور وإثبات الولاء ما جعلها تصطحب المصورين وكاميرات الفضائيات لتسجل اللحظة وتستعرض مشهد حرق الكتب وتحصل علي "الشو الإعلامي".
ومما يؤسف له أن عملية الحرق تمت باسم الوطنية وعلي أنغام الأناشيد الحماسية.. مع أن المشهد في الحقيقة كان بائساً وسلبياً وضد كل القواعد التربوية.. فضلاً عن أنه كشف حجم الحصيلة الثقافية والمعلوماتية التي تتمتع بها لجان وزارة التربية والتعليم.. وقدرة هذه اللجان علي التمييز.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف