المساء
د/ شوقى علام
الدين المعاملة - منهج الصحابة في التيسير "2"
إذا نظرنا إلي تطبيقات سلفنا الصالح وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم لتلك التوجيهات النبوية الشريفة. لوجدنا أنهم ساروا علي ذات المنهج ولم يخرجوا عنه قيد أنملة.
عن عبد الله بن مسعود قال: والذي لا إله إلا هو ما رأيت أحدا كان أشد علي المتنطعين من رسول الله صلي الله عليه وسلم. وما رأيت أحدا كان أشد عليهم من أبي بكر وإني لأري عمر كان أشد خوفا عليهم.
ويقول عمير ابن إسحاق: لما أدركت من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم أكثر ممن سبقني منهم. فما رأيت قوما أيسر سيرة ولا أقل تشددا منهم.
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص رضي الله عنه حتي وردوا حوضًا. فقال عمرو: يا صاحب الحوض هل ترد حوضَك السباع؟ فقال عمر: لا تخبرنا فإنا نرد علي السباع وترد علينا.
وكان يسير مع صاحب له فسقط علي صاحبه شيء من ميزاب - وهو ما يشبه الماسورة التي تعمل علي تصريف المياه - فقال الرجل يا صاحب الميزاب أماؤك طاهر أو نجس؟ فقال عمر: يا صاحب الميزاب لا تخبرنا.
وفي صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لمؤذنه يوم الجمعة : إذا قلت أشهد ان لا إله إلا الله...إلخ فلا تقل حي علي الصلاة. بل قل: صلوا في بيوتكم. فكأن الناس استنكروا هذا . فقال: فعله من هو خير مني؛ إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم في الطين والدحض ؛ أي: الزلق.
هذا هو نهج السلف الصالح من الصحابة الكرام رضي الله عنهم. فأين سلفية اليوم المعاصرة من سلفية الأمس؟ وأين دعوي اتباع السلف من حقيقة ما نلمسه اليوم في واقع بعض الشباب الذي فهم الدين علي أنه مجموعة من التشددات والأحوطيات بحيث يخيل إلي الواحد منهم أنه كلما اختار الرأي الأشد والأصعب كلما كان علي جادة الصواب وطريق الحق.
إن ما نراه اليوم في واقعنا المعاصر من فتن واحتراب واقتتال باسم الدين إنما جاء نتيجة للفكر المعكوس. الذي لا يستند إلي دليل لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من هدي السلف الصالح صحابة وتابعين.
أحب أن أكرر هذه المقولة للإمام سفيان الثوري رحمه الله حتي يحفظها الشباب ويعيها جيدًا : إنما الفقه الرخصة من ثقة. أما التشديد فيحسنه كل أحد.
إن الفقيه العالم الثقة هو من يحمل الناس علي ما يطيقون. لا أن يحمل الناس علي عزائم الأمور. فالله تعالي يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف