المصرى اليوم
عبد الناصر سلامة
نحـن.. وهيـلارى وتـرامب
اعتقادى الشخصى المبكر فوز هيلارى كلينتون، مرشحة الديمقراطيين بانتخابات الرئاسة الأمريكية، حين ذلك لن يتغير أى شىء فيما يتعلق بالعلاقات الباردة مع مصر، ربما لن يتغير الكثير بالمنطقة عموماً، إلا فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، إدارة الملف الجديد فى ضوء المتغيرات الصادرة عن مجلسى النواب والشيوخ بإمكانية محاكمة مسؤولين سعوديين على خلفية أحداث سبتمبر ٢٠٠١ والحصول على تعويضات كبيرة، يبدو أن ملف السعودية خاص بالديمقراطيين، كما كانت العراق مهمة الجمهوريين خلال رئاسة بوش الأب والابن على السواء، إلا أنه نفس الابتزاز ونفس المخطط ونفس أمريكا، فقد جاء الدور على الثور الأسود.

الأزمات عموماً سوف تظل مستمرة، السورية، العراقية، اليمنية، الليبية، دعم داعش، والحرب على داعش، استمرار لعبة القط والفأر مع إيران، رفع العقوبات والتلويح بالعقوبات، استخدام إيران فى سوريا، كما فى اليمن، كما فى لبنان، استمرار ابتزاز دول الخليج ككل، التعاقدات حول السلاح، التلاعب بأسواق النفط، تسريب تقارير طوال الوقت حول نهاية الأنظمة العائلية بدلاً من العمل على المزيد من الاتحاد فى مثل هذه الظروف، التى اعتاد الأمريكان خلالها رصد تهريب مزيد من الأموال.

لن يتعجل الديمقراطيون الفصل الأخير من سيناريو التقسيم أو الانهيار التام فى هذه أو تلك، الأوضاع تسير كما هو مخطط لها سلفاً بفعل أيدينا، التدخل الخارجى فيما ندر، قصف بالقنابل والقذائف الصاروخية وقت الحاجة، أمامنا عدة سنوات على هذه الحال، مصانع السلاح فى الغرب تعمل بكامل طاقتها، لماذا الاستعجال؟ الحصول على النفط بأقل الأسعار وأحيانا بالمجان، لماذا القلق؟ استنزاف روسيا بالمنطقة، كما الاتحاد السوفيتى سابقاً فى أفغانستان، لا توجد أى بوادر لموقف عربى موحد أو شبه موحد خلال السنوات القليلة المقبلة، كلٌ لديه ما يكفيه، التنظيمات المتطرفة لم تعد تشكل خطراً على الولايات المتحدة بعد أن أصبحت تعمل من خلالها فى معظم الأحوال.

فى شق السياسة الخارجية، بمناظرة هيلارى مع منافسها الجمهورى دونالد ترامب، كانت إيران الأكثر حضوراً بين كل دول المنطقة، العلاقات كما العقوبات، كما السلاح النووى، كما دورها المتنامى، بما يؤكد أن إيران هى ذلك النجم الصاعد مستقبلاً، أياً كان الذى يحكم أمريكا، ربما النجم الشيعى عموماً، هكذا يريد الغرب عموماً، العرب السُنّة انتهى دورهم، كانوا بارعين فى التعاون بأفغانستان، من خلال الدعم اللوجيستى الكبير وتجنيد المجاهدين، كانوا رائعين فى التعاون مع كل الوجوه، أثناء حصار العراق، ثم أثناء الغزو، الآن أصبحوا مصدر إزعاج كبير، لم نعد فى حاجة إلى نفوطهم كثيراً، لِنَدعهم يستكملون بأيديهم إعادة ترتيب الأوراق بالمنطقة، من خلال الثورات أحياناً، والانقلابات أحياناً أخرى، والاقتتال الداخلى فى معظم الأحيان.

هناك مناظرة أخرى بين هيلارى وترامب فى ١٩ من الشهر الجارى، لن تغير كثيراً من الترتيبات، هيلارى المتمرسة سياسياً هى الأعلى من وجوه كثيرة، ربما لا تتحرك بين الولايات كثيراً كغريمها، إلا أن إنفاقها الأعلى إعلامياً لم يجعل من ذلك أدنى مشكلة، وحتى بلوغ ذلك التاريخ الانتخابى، الثامن من نوفمبر، تكون قد فعلت الكثير، وسط مؤيديها الذين يرون فى المنافس شخصاً يميل إلى العنف وعداء الآخرين، أفراداً كانوا أو جماعات، وهو الأمر الذى لا يصلح معه أن يكون رئيساً، ناهيك عن خسارته الجولة الأولى من المناظرة بإجماع المحللين.

فى كل الأحوال، أعتقد أنه من المهم أن نستعد لتلك المرحلة من العلاقات الباردة مع الولايات المتحدة، بل ربما مع العالم الخارجى بصفة عامة، تارة بوقف السياحة إلى مصر غربياً وروسياً، وربما عالمياً، وتارة أخرى بوقف استيراد المنتجات الزراعية والسلعية المصرية، أمريكياً وروسياً، وربما عالمياً أيضاً، وهو الأمر الذى لا يمكن ولا تجوز مواجهته أبداً بتنازلات تتعلق بالعقيدة أو المبادئ، أو حتى تصريحات المُسَكِّنات، ذلك أن العالم خلال السنوات المقبلة، كما هو واضح، لن يحترم الضعفاء أبداً، كما هو الحال على مستوى الصراعات المحلية تماماً، كلُّ ما نأمله أن تكون مواقفنا بصفة عامة قد نالت حقها من الدراسة والبحث والتمحيص، حتى لا نفاجأ بأننا لم نستفد شيئاً من دروس التاريخ.

ففى الوقت الذى تتحدث وتهتم فيه هيلارى كلينتون كثيراً بالحريات وحقوق الإنسان فى مصر، نرى هذه القضية لدينا تسير كغيرها إلى مزيد من التراجع، بما يشير إلى أن هناك رهاناً على المرشح الآخر، يراه المراقبون ميولاً رسمياً، على الرغم من المناطق الشائكة الكثيرة حوله، وفى مقدمتها تَعهُدُه بحظر دخول المسلمين جميعاً إلى الولايات المتحدة، وهو الحديث الذى وجد استنكاراً كبيراً من قادة العالم، باعتباره موقفاً عنصرياً، إلا أنه حينما التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، تحدث عن توافق، قال: إنه لمس وجود كيمياء وانسجام، من جهته أشاد الرئيس بترامب بشكل واضح قائلاً: إنه (بدون شك) سيكون زعيماً قوياً فى حال توليه الرئاسة.

على أى حال، أعتقد أن هذه القضية، المتعلقة بالانتخابات الأمريكية والعلاقات المستقبلية مع مصر، كان يجب أن تنال اهتماماً أكبر مبكراً، إلا أنه قد بدا واضحاً أنه قد أُسقِط فى أيدينا، مما كان يجب معه أن نلجأ لخطة بديلة فى هذه الحالة، من شأنها البحث عن حل مع الديمقراطيين عموماً، إلا أن ما أراه حتى اللحظة هو التعويل على ذلك المرشح العنصرى، فيما يشير إلى سقطة أخرى خارجية، فى توقيتٍ هو الأكثر تحدياً داخلياً وخارجياً على السواء، ثم جاءت تطورات الأزمة مع السعودية لتؤكد أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف