عبد الغفار شكر
وزارة التضامن واستقلالية الجمعيات الأهلية
تقوم المجتمعات الحديثة على أعمدة ثلاث ، تتكامل فيما بينها لتعظم من دورها فى المجتمع وتضمن فاعلية نشاطها بما يعود على المجتمع بالنفع العام . هذه الأعمدة هى الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدنى ، لكل منها دوره المحدد فى المجتمع والأسس التى تنظم نشاطه ولا يتحقق هذا المبدأ إلا فى النظم الديموقراطية، أما فى النظم الديكتاتورية أو السلطوية فإن المجتمع المدنى يحاط بالعديد من القيود التى تحد من فاعليته وقدرته على التأثير فى المجتمع، وقد شهد المجتمع المصرى العديد من القيود على المجتمع المدنى بمنظماته المختلفة ومنها المنظمات او الجمعيات الدفاعية التى تدافع عن شرائح فى المجتمع تحتاج المساعدة لكى تحسن أحوالها او المنظمات التنموية التى تعبئ امكانيات المجتمع للاستفادة منها فى انشطة تنموية ...
وقد خاض القطاع الأهلى فى مصر نضالا طويلا لالغاء القانون 32 لسنة 1964الذى الحق المجتمع المدنى بالسلطة التنفيذية ولم يتمكن من تحقيق هذا الهدف الا فى ظل القانون 84 لسنة 2003 حيث تراجعت القيود المفروضة على هذا النشاط ومع ذلك فان الوضع الحالى للمجتمع المدنى فى ظل هذا القانون لا يوفر المناخ اللازم لضمان استقلالية الجمعيات الاهلية وساهمت ثورة 25 يناير فى تهيئة الظروف التى ساهمت فى اعداد مشروع القانون الجديد للجمعيات الاهلية الذى سيحال قريبا الى مجلس النواب لاصداره.
وتتوفر فى هذا المشروع مزايا عديدة تجاوزت الاوضاع القائمة حاليا فى هذا المجال وعقدت العديد من الندوات واللقاءات لابداء الملاحظات حول هذا المشروع قبل تحويله الى مجلس النواب ولا تزال هناك حاجة لادخال مزيد من التعديلات عليه ويهمنى هنا ان اشير الى ان هذا المشروع لا يحقق للجمعيات الاهلية الاستقلالية اللازمة ولا يزال هناك دور لا يستهان به لوزارة التضامن الاجتماعى فى التدخل فى شئون الجمعيات والانتقاص من استقلاليتها وفى هذا الاطار سوف اكتفى ببعض الامثلة نتيجة الحيز المحدود للمقال وسوف اركز على مظاهر تدخل الوزارة فى شئون الجمعيات والحد من استقلاليتها.
وعلى سبيل المثال فان المادة 18 من مشروع القانون تنص على (لممثلى الجهة الادارية الذين يصدر بتحديدهم قرار من الوزير المختص دخول مقر اى من الجمعيات والمؤسسات والاتحادات والمنظمات الخاضعة لاحكام هذا القانون ولهم متابعة انشطتها والاطلاع على سجلاتها وفحص اعمالها من الناحية الادارية والفنية) ويؤدى دخول الموظفين الى مقر الجمعية دون مبرر انتقاصا من استقلاليتها، وفى المادة 19 نص على اعداد حساب ختامى للجمعية وعرضه على الجمعية العمومية لها بالاضافة الى ذلك تنص المادة 19 (وللجهة الادارية ابداء الاعتراض على ذلك الحساب الختامى وتوضيح اسبابه وطلب تصويبه) وفى هذا الاجراء انتقاص من استقلالية الجمعية ومن سلطات جمعيتها العمومية.
ومن المهم هنا ان نوضح ان أعلى سلطة فى الجمعية او المنظمة غير الحكومية هى الجمعية العمومية التى تتكون من مجمل الاعضاء وتجتمع سنويا لمناقشة نشاط الجمعية ووضع ميزانيتها السنوية واقرار الحساب الختامى ولها فى ذلك سلطة مطلقة فهى التى تنتخب مجلس الادارة ولها الحق فى عزله اذا لم يقم بواجباته وتعتبر قراراتها نهائية.
ومن الامثلة على تدخل الوزارة فى شئون الجمعيات التفصيلية النص فى المادة 21 على انه (من واجب الجمعية تحويل ما تتلقاه من عملة أجنبية الى العملة المصرية داخل احد البنوك الرسمية ولا تحتفظ بالعملات الاجنبية الا بقدر احتياجها لها فى تنفيذ أنشطة محددة تخطر بها الجهة الادارية). ويتضمن مشروع القانون الاجراءات الواجب اتخاذها اذا ارتكبت الجمعية الاهلية مخالفات وطرح هذه المخالفات على القضاء للحكم بما يراه وذلك تطبيقا لمبدأ عام يحكم نشاط الجمعيات بان يكون للقضاء الدور الاساسى فى تأسيس الجمعيات وفى معاقبتها وصولا الى تصفيتها اذا لزم الامر ومع ذلك فان القانون يتضمن نصا فى المادة 34 (بانه من حق الوزارة ايقاف نشاط الجمعية مؤقتا لحين صدور حكم المحكمة وايقاف الصرف على الانشطة او اغلاق مقر النشاط المخالف) وفى هذا النص تزيد يعطى للوزارة حق ايقاف النشاط قبل ان يصدر القضاء حكمه وهو ايضا انتقاص من استقلالية الجمعيات. وفى المادة 40 تزيد آخر يشترط فى اندماج الجمعيات ذات النفع العام فى بعضها او الجمعيات التى لم تضفى عليها صفة النفع العام وربطت ذلك بموافقة الجهة الادارية وهى وزارة التضامن الاجتماعي. وهناك ايضا ما جاء فى المادة 28 من انه (فى حال تغيب العضو اكثر من نصف عدد جلسات مجلس ادارة الجمعية المنعقدة خلال عام، اعتبر مستقيلا ويخطر بذلك بخطاب مسجل بعلم الوصول) ولما كان الاصل هو التدرج فى الجزاءات حسب جسامة المخالفة فانه من الواجب هنا اذا لوحظ تكرار غياب العضو عن الجلسات انذاره بان هذا الغياب سيؤدى الى فصله اذا تغيب اكثر من نصف عدد الجلسات.
يلاحظ من هذه الاجراءات منح وزارة التضامن سلطة التدخل فى أعمال الجمعيات الاهلية او اتخاذ اجراءات بشأن المخالفات والواجب هنا ان يكون ذلك من اختصاص الجمعية العمومية للجمعية الاهلية التى تعتبر وحدها طبقا لمشروع القانون صاحبة السلطة فى محاسبة الاعضاء والهيئات القيادية. ونقترح هنا ان يكون الاتحاد العام للجمعيات الاهلية هو المرجعية فيما يتعلق بالمخالفات الجسيمة وان ينتهى تماما دور الجهات الحكومية فى انشطة الجمعيات الاهلية.