46 عامًا مرت علي وفاة الزعيم جمال عبدالناصر سبقها 18 عامًا منذ ثورة يوليو 1952 حتي وفاته في 28 سبتمبر 1970 أي 64 عاما لم تنجح خلالها حملات التشويه في النيل من عظمة الزعيم ولا من حبه في قلوب الملايين والذي يزداد عامًا بعد عام. عظمة جمال عبدالناصر نابعة من إيمانه بعظمة مصر والمصريين وانحيازه إلي الأغلبية العظمي من الشعب.. عظمته نابعة من اهتمامه بالفقراء وتذويب الفوارق بين الطبقات.. عبدالناصر أخذ من الأغنياء لصالح الفقراء ولم يفعل العكس.. لم يفتش في جيوب الفقراء بل كان حريصًا علي تحسين مستوي معيشتهم فعلاً لا قولاً.. كان حريصًا علي التعليم المجاني ــ الذي يسبه الآن من تعلموا ووصلوا إلي أعلي المناصب بسببه ــ كان حريصًا علي توفير فرص العمل لكل خريج وشاب.. كان حريصًا علي إقامة المصانع الواحد تلو الآخر حتي بلغ العدد ألف مصنع بينما كان غيره حريصًا علي إغلاق هذه المصانع وتشريد عمالها.. هذه المصانع التي أنقذت مصر بعد حرب 1967 ووقفت إلي جوارها طوال حرب الاستنزاف حتي تحقق انتصار أكتوبر العظيم.. عظمة عبدالناصر انه لم يسكت علي فساد ولم نسمع عن شقيق له أو ابن أو قريب استطاع خلال فترة حكم عبدالناصر أن يثري علي حساب الشعب أو علي حساب قرابته للرئيس.. عبدالناصر لم يسكت عن أخطاء المقربين والأصدقاء.. عبدالناصر كان صاحب رؤية وفكر.. عاش ومات فقيرًا.. عاش بالبيجاما الكستور صناعة المحلة ولم يجدوا في دولابه عند موته سوي عشر "بدل" من إنتاج مصر.. عبدالناصر هو الزعيم الوحيد الذي استطاعت مصر في عهده تنفيذ أول وآخر خطة خمسية.. عبدالناصر الذي كان لا يجرؤ فاسد في عهده أن يحتكر الإعلام أو سلعة معينة مثل الحديد مثلاً ولم يقف الرجل مكتوف الأيدي أمام أي تلاعب من أي تاجر أو صاحب مصنع.
من الحقائق الغائبة أنهم صدعونا بحكاية أن عبدالناصر اختار أهل الثقة عن أهل الكفاءة.. ونسوا أن عبدالناصر اختار للصناعة المهندس عزيز صدقي وكان شابا كفؤا استطاع تنفيذ نهضة صناعية كبري.. واختار النبوي المهندس للصحة وفعل الكثير.. وغيرهما كثيرون .
من الحقائق الغائبة انهم صدعونا بأن حروب وما أطلقوا عليها مغامرات عبدالناصر كلفت البلاد الكثير ونسوا انه رغم كل ما كان يفعله عبدالناصر لصالح البلاد فإن سعر الدولار لم يزد عن 40 قرشا وكان الجنيه يساوي حوالي 4 ريالات .
أما الحقيقة الغائبة الكبري فقد لفت نظري لها أحد الأشخاص غير المحبين لجمال عبدالناصر ولكنه أراد إراحة ضميره فقد قال لي بحثت كثيرا في تاريخ جمال عبدالناصر من أجل اصطياد غلطة كبري وبحثت عن حكاية إهدار عبدالناصر لاحتياطي مصر من الذهب والعملات الأجنبية الكبيرة التي كان يقال إن مصر تمتلكها وللأسف وجدت أن هذه الحكاية كذبة كبري روج لها البعض حتي اعتقد بعض الناس انها حقيقة.. أما كيف اكتشفت أن هذه الحكاية كذبة ووهم كبير فعندما بحثت عن مشكلة تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي اكتشفت أن الحكاية بدأت برفض صندوق النقد الدولي تمويل بناء السد العالي وإعطاء مصر قرض تمويل فبالله عليكم لو كانت مصر تمتلك الاحتياطي من الذهب والعملات الأجنبية هل كانت تحتاج إلي قرض ؟!
هذه الحقيقة الغائبة فكرتني بحكاية عاصرها العديد من الزملاء في كلية الإعلام جامعة القاهرة عندما كان يقوم الأستاذ الراحل جلال الدين الحمامصي الكاتب الكبير بجريدة الأخبار بالتدريس لنا في الكلية وكنا نحبه ونحترمه حتي قام بطرح كتاب له اسمه "حوار خلف الأسوار" ادعي فيه أن عبدالناصر قام بتهريب عشرة ملايين جنيه استرليني في سويسرا وعندما اعترضنا وطالبنا الكاتب الكبير بتقديم الإثبات فشل واعتذر لنا بأنه وقع ضحية معلومة خاطئة وكاذبة أعطاها له رئيس الجمهورية وقتها ولم يقدم له المستند وأنه ــ أي الكاتب ــ أخطأ لأنه كان يعتقد أنه من العيب أن يطلب من رئيس جمهورية مستندًا.. وفقد الأستاذ الحمامصي وظيفته كأستاذ في كلية الإعلام لأنه فقد المصداقية لدي تلاميذه وكان درسًا للأستاذ ولنا جميعًا وظهرت الحقيقة الناصعة أن عبدالناصر لم يكن فاسدًا لأنه باختصار كما قال مدير المخابرات الأمريكية السابق لم يكن قابلاً للفساد.
هذا هو عبدالناصر الذي رحل عنا منذ 46 عاما ناهيك عن مواقفه القومية والعربية والدولية.. هذا هو ما يجعل عبدالناصر حيًا بيننا حتي اليوم.. ليت الرسالة تصل.
حمي الله مصر وحفظها من كل سوء.