التحرير
طارق رضوان
البحث عن فرصة
المشهد يكاد يكون مضحكا لكنه ضحك كالبكاء، أربع سنوات ومصر تبحث عن سياسى يحترف لغة الشعب وألاعيب السياسة وأساليبها القذرة الملفوفة فى ورق سوليفان، فقد اختفى كمال الشاذلى ويوسف والى، مهندسا السياسة فى نظام مبارك.

نختلف أو نتفق عليهما، سواء أكانا فاسدين أو طاهرين إلا أن النظام الحالى يبحث عن بديل لهما، فقد سقط نظام مبارك عندما اعتلى أقزام السياسة المنصة بجوار الابن الضال، وظن الأقزام أن الدوائر السياسية تدار بـ«الفيديو كونفرانس» وبـ«البيبر»، فسقطوا جميعا ودخلوا السجون وفى يدهم مبارك نفسه، وباختفاء الاثنين الشاذلى ووالى وقعت الدولة فى ورطة للسيطرة على الدوائر الانتخابية، وهو السبب الرئيسى لتأجيل الانتخابات البرلمانية إلى الآن، فقد تقدم الجنزورى المشهد وفشل لأنه معتاد على بيروقراطية المكاتب، وتقدم مكانه سيف اليزل وفشل هو الآخر وعنف حتى مرض، وهو الآن يعالج، وعادت الساحة مرة أخرى خالية من عقول تدبر لمصلحة النظام.

ولأن ضرورة الموقف دفعت السيسى إلى الرئاسة دون اكتساب خبرات سياسية كافية، فقد كان عليه أن يخرج من عباءة الجيش لمدة عامين ينخرط فيهما فى الحياة المدنية، كما حدث مع الرئيس أيزنهاور عندما خرج من الجيش ليتولى رئاسة إحدى الجامعات الأمريكية لينخرط فى الحياة المدنية لمدة عامين ثم اعتلى منصب الرئاسة، لكن السيسى خرج من الدار للنار، مما جعل البلاد خالية تماما من الفكر السياسى، ورغم أن الرجل يتصرف بمنطق واتزان فإن المصرى العادى يريد من حاكمه أن يكون نصف متوحش ونصف إله، وهذا من بين ضمانات استمرار شرعيته، فكل من فى الصورة هواة، ويظن النظام أن نجومية الفضائيات تكفى للسيطرة، لكن الصراعات السياسية الكبرى يصعب حلها بأسلوب المفاجآت وفى صخب أصوات وألوان العروض التليفزيونية مهما بلغت درجة تأثيرها، فالمفاجآت انبهار ساعة أو يوم أو شهر ثم يزول التأثير والعروض الصاخبة، مشاهد أخاذة لكن لمسة على زر تكتم الأصوات وتطفئ الأنوار من دون تأثير باقٍ على حقائق الأشياء، وتعلمنا التجارب أن الفارق بين الضياء والحريق شعرة واحدة من تماس أسلاك أو من عزلها، ولحل الأزمة علينا أن نجرب ونعطى فرصة للخطأ حتى لو نمتلك رفاهية الأخطاء، فالوصول إلى تقدم حضارى وسياسى حقيقى لا بد أن يلازمه إطلاق حرية الفكر والتجربة والخطأ، وكان ذلك مستحيلا فى وقتنا الراهن، وضاعف من خطورة هذا الوضع أن مجتمعات تركيز السلطة كما هى موجودة فى مصر تعتبر أن الخطأ غير وارد فى وقت أزمة، والتسرع فى اتخاذ القرار يقى البلاد من شرور قادمة، وكان هذا بالضبط هو الفارق بين توجه يستهدف تعظيم السلطة وتوجه آخر يستهدف تعظيم المصلحة، وبغير التجربة سيفشل النظام فى السيطرة، ويعطى فرصة للأقزام أن يعودوا إلى المشهد كما فى حالة أحمد عز الذى حاول الظهور السياسى بالإذن عله ينجح ويجد النظام ضالته، لكن السخط العام قتل الفكرة، وتبرأ الجميع من إعطائه الإذن فى الظهور، وعدنا إلى نقطة الصفر، ويبدو أنها ستطول.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف