قامت دنيا الغرب ولم تقعد بعد إعلان وفاة السيد شيمون بيريز الرئيس الأسبق لإسرائيل. اختلفت تصريحات زعماء الدول الكبري في تعبيرها عن مشاعر الفقد لرحيل بيريز. لكنها أجمعت علي المصاب الجلل الذي أحدثته وفاة الرجل. وهو ما لم يحدث مع كثيرين أضافوا إلي المجتمع الإنساني اسهامات مهمة. في مجالات العلم والسياسة والفن والتقدم. والأمثلة لا تعوزنا. فمن السهل علي المتابعين لتطورات الحياة في العالم إدراكها.
الموت إرادة إلهية. هي قدر كل البشر. الوجدان العربي يعي قيمة الموت ويحترمها. وموروثه حافل بالتفصيلات التي ترافق مسيرة المرء منذ ميلاده إلي ما بعد الرحيل.
ما أثار الملايين من أبناء الشعب العربي مشاعر "الفجيعة" التي عبرت عنها كلمات الزعماء ووسائل الإعلام في الغرب. استثني قناة 24 الفرنسية التي قدمت لحظات استثنائية عن رأي الشارع الفلسطيني في الدور الخطير الذي لم ينكره بيريز ضد الفلسطينيين. منذ عصابات شتيرن والهاجاناه وغيرها. وما قامت به من عمليات اغتيال وتدمير وتشريد لملايين المواطنين الفلسطينيين. ثم إشرافه المباشر علي إنشاء المفاعل النووي بديمونا. حتي مذبحة قانا التي تابعت الرئيس الإسرائيلي الأسبق وهو يعترف بتدبيرها. والإشراف علي تنفيذها. وان أرفق اعترافه بالقول: تلك أحداث في الماضي. علينا نسيانها!
الغريب ان بيريز تكلم في البرنامج التليفزيوني نفسه عن الدعوي الإسرائيلية المحملة بالأساطير والخرافات والماضي المخترع. تبيح للوافدين من أرجاء الأرض طرد الفلسطينيين. وإحلال المستوطنين بدلاً منهم.
أخطر ما في خطب التعزية التي قالها رؤساء الدول الكبري. والعديد من الزعامات السياسية ووسائل الإعلام الممولة صهيونياً. انها قصرت تناولها لشخصية شيمون بيريز علي انه بطل السلام. الذي أنفق حياته علي ايجاد تسوية للتقارب بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كأن من نعوه غاندي أو مانديلا أو الليندي. وأيد الزعماء ما قالوه بالإشارة إلي حصول بيريز علي جائزة نوبل للسلام. وهي الجائزة التي نالها رفيقه إسحاق رابين. الذي شاهدناه يأمر - علي شاشة التليفزيون - بتكسير عظام أطفال الحجارة. حتي ينهوا مظاهراتهم الاحتجاجية.
قد يلجأ الساسة إلي الكذب لتبرير أخطاء ارتكبوها. لكن الكذب غير المبرر للمذابح وعمليات القتل الممنهجة. باعتراف منفذيها. يجاوز معني الكذب ليصبح جرائم. أولي بها محكمة الجنايات الدولية.
ذلك ما أرجو ان يسعي إليه الأفراد والهيئات الذين يؤمنون بقيمة الإنسان. برفع الدعاوي ضد زعامات الدول الكبري. طلباً لإدانتها. والحكم عليها بتهمة التستر علي جرائم حرب. وهي جرائم - كما نعلم - لا ينتهي أجلها.