عباس الطرابيلى
«الفريدة».. التى أحبها الشعب
ما بين مولدها بالإسكندرية يوم الاثنين الخامس من سبتمبر 1921 ورحيلها ودفنها فى مقابر أسرتها بالإمام الشافعى بالقاهرة عاشت صافيناز يوسف ذوالفقار الشهيرة باسم الملكة فريدة. حياتها المليئة بالدموع والآلام.. ومر بها العديد من الصور، ربما أشهرها يوم تزوجت الملك فاروق يوم الخميس 20 يناير 1938 وكان عمرها أقل من 17 عاماً، ويومها ازدانت صالونات البيوت.. بل المقاهى بصورة العروسين. وكان فاروق أكبر منها بعام ونصف العام.. ولكنها لا تنسى أبداً يوم تجرأ قائد الجناح جمال سالم، عضو مجلس قيادة الثورة، وطلبها للزواج.. فنهرته بشدة.. وألقمته حجراً وهى تقول له بكل سخرية: «أنا بعد فاروق أتزوجك إنت».. وطردته.. فكان عقابه لها شديداً.
وعاشت الفريدة - فريدة مصر - فى المنافى على الكفاف.. تكاد تحيا على أقل القليل.. ومن المؤكد أن هذه الفترة كانت وراء اكتشاف قدراتها الفنية. فلجأت إلى الرسم، لتحفظ كرامتها.. ورغم كل هذه السنوات وأنها غادرت الحياة بعد إصابتها بمرض لوكيميا الدم ومشاكل الكبد.. إلا أن الشعب كان يضعها فى القلب.. كل الشعب. وليس فقط من كان قريباً منها.
هذه الأسطورة «الفريدة» اقتربت منها الدكتورة لوتس عبدالكريم وأصبحت من أكثر من عرفنها، قرباً منها. وكان الفن والرسم بالذات أقوى رابط بينهما.. وربما كان كتابها عن الملكة فريدة الذى صدر عام 1993 عنواناً لصداقة كبيرة وعميقة لدرجة أن الملكة اختارت منزل لوتس مرسماً لها.. ثم أصدرت الدكتورة لوتس كتاباً ثانياً عن فريدة عام 2008 تحت عنوان «الملكة فريدة وأنا». ويكون كتابها «فريدة مصر.. أسرار ملكة وسيرة فنانة» هو آخر كتبها وهو الصادر عن الدار المصرية - اللبنانية عام 2009 وهو بالتأكيد أفضل كتاب يحمل لنا ويحفظ معظم أعمال الملكة فريدة، الفنية.. وكيف كانت لوحاتها هى مصدر حياتها والكتاب «254 صفحة» تزينه تلك اللوحات.. وأضاف إليها إخراج هذا الكتاب الكثير بسبب الاهتمام غير العادى به.. من قدرة عالية على فرز الألوان وطباعة الصور ونوع الورق، حتى الصور «الأبيض والأسود» وتلك من مميزات الدار المصرية - اللبنانية وصاحبها محمد رشاد.
وتزيح المؤلفة الستار عن جانب مهم من حياة «الفريدة»، ربما منها أنها ظلت تحتفظ فى إصبعها بخاتم الملك فاروق.. ودبلة الزواج، حتى وفاتها.. بل إنها ظلت تحبه إلى يوم رحيلها.. وكانت تحرص على زيارة قبره فى مسجد الرفاعى وتخرج وعيناها محمرتان، من كثرة ما بكت عليه.. وهى التى قالت: «بعد فاروق لن يكون لى زوج آخر.. وهو الذى جعلنى ملكة وهو والد بناتى..» ويبقى السر معلقاً: هل عادت فريدة وتزوجت من فاروق وهو فى المنفى. وهو ما حاولت الدكتورة لوتس أن تنقله لنا.. ولهذا السبب نهرت قطب ثورة يوليو جمال سالم، يوم عرض عليها الزواج.
والكتاب يقدم لنا الجانب الآخر، الذى كان مخفياً من حياة الملكة فريدة. بل حياة بناتها: الكبرى فريال المولودة بقصر المنتزه يوم الخميس 17 من نوفمبر 1948.. فى الثامنة مساءً.. ثم فوزية، على اسم شقيقة فاروق والتى كانت الأقرب إلى قلبه، وهى التى ولدت فى الساعة السادسة مساءً بقصر عابدين يوم السابع من إبريل 1940.. والثالثة فادية المولودة بقصر عابدين فى السابعة والنصف من مساء يوم الأربعاء 15 ديسمبر 1943. ثم استمرت المؤلفة أو الراوية لوتس عبدالكريم تقدم لنا ما خفى من أسرار بنات الملكة فريدة وأزواجهن وأحفادها.. فى قالب إنسانى رائع.. وصور بديعة.
** ولمن لا يعرف فإن مثل هذه الكتب تجعل معظم المصريين يزدادون حنيناً للعصر الملكى، بعد التشريد الذى عاشته بقايا الأسرة العلوية لأن المصرى يذوب عشقاً وحنيناً فيمن تعرض للظلم والمطاردة.. ومن المؤكد أن هذه الأسرة كانت نموذجاً لكل ذلك.
** وليس إصدار هذه الكتب مجازفة من الناشر.. بل هى - الآن - من أكثر الكتب مبيعاً. وكم أتمنى أن يسرع كل من اقترب من هذه الأسرة لرواية ما يعرفه.. علنا نمحو ما نزل بها من ظلم.. نحس به الآن.
** ويبقى الشكر موصولاً للمؤلفة التى تتخذ من أفضل الزهور اسماً لها - أقصد الدكتورة «لوتس عبدالكريم» - لم لا، وزهرة اللوتس هى أفضل الزهور المصرية منذ عصر الفراعين.. وللناشر ودار النشر «الدار المصرية - اللبنانية» التى وفرت لهذا الكتاب أفضل اهتمام.