محمد جبريل
ع البحري .. نعمات أحمد فؤاد
التردد علي المجلس الأعلي لرعاية الفنون والآداب بالزمالك كان من بين أولي المهام التي عهدت لي بها "المساء". قوام المجلس رموز مهمة توفيق الحكيم. سهير القلماوي. حسين فوزي. زكي نجيب محمود. محمود البدوي. محمود تيمور. فوزي العنتيل. أمين يوسف غراب. وعشرات غيرهم. شكلوا المجلس من خلال لجانه المتعددة.
كنت أجد في العمل داخل المجلس أكثر من سبب للسعادة. فأنا أزور بلدياتي من المبدعين الذين ضمهم المجلس إلي موظفيه: محمد حافظ رجب. عباس محمد عباس. حامد الأطمس. عبدالمعطي المسيري. كما يتيح لي التعرف إلي الأسماء التي كانت صلتي بهم مقصورة علي قراءة ما يكتبون.
زاد الأمر عن مجرد التطلع إلي اللقاء. فأنا اسأل وأنتظر الاجابة. وأنصت إلي المناقشات دون أن تفاجئني النظرات المستغربة أو الرافضة. ثم تحولت صلة العمل إلي صداقة بين غالبيتهم وبيني. وهو ما ضمته كتب أتصورها استعراضا للمشهد الثقافي العربي فيما يزيد علي الأربعين عاما.
كنت أحرص علي زيارة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد في مكتبها بالطابق العلوي إلي جانب مكتب يوسف الشاروني مراقب المجلس آنذاك.
لم أكن أعرف طبيعة عملها تماما. هي مشغولة دوما بأوراق تكتبها. لكنني كنت أسجل آراءها في كل ما يتصل بالثقافة. موسوعة بلا آفاق في التاريخ والأنثربولوجيا وعلم الاجتماع والفن والأدب. تجيب عن كل الأسئلة بإفاضة تشعرني بالجهل. أهدتني كتبها فتعرفت إلي مصادر ثقافتها الرفيعة. وكانت تخصني بأخبار اللجان. تريحني من الصعود والنزول. والتنقل بين المكاتب. أعود إلي جريدتي محملا بالكثير من الأخبار لم أجدها ـ ذات صباح ـ في مكتبها. بدأ المجلس في اجازة خلا حتي من الإداريين كأنهم تركوا المجلس للشاروني بطبيعته الوظيفية لا يفوقه فيها ـ فيما أعلم ـ سوي نجيب محفوظ.
دعاني الشاروني إلي كوب شاي. وأعتذر بأنه لا يملك أخباراً وجدت في العنوان "شاي كشري في مجلس الفنون" ما يعوض اخفاقي. لكن دنيا المجلس قامت ولم تقعد. وطالب يوسف السباعي رئيس المجلس موظفيه بأن يمتنعوا عن استقبالي.
لمحت د. نعمات ـ بعد ان عادت إلي مكتبها ـ حيرتي. دعتني إلي الجلوس اليها. نبهها أحد الإداريين إلي تعليمات السباعي. فقالت بهدوء كان تكوينا في شخصيتها: من حقه أن يسجل ما شاهده.
قلبت في الأوراق أمامها. وعدت إلي الجريدة بصيد وفير.
رحم الله المثقفة والمبدعة المصرية نعمات أحمد فؤاد.