عبد الجليل الشرنوبى
العرب وأمريكا ومصير «السحابة الحمراء»؟
بشهادات موثقة رغم كونها مطموسة على خريطة المعرفة، كان (السحابة الحمراء) زعيماً فى موطنه (القارة الأمريكية)، قبل أن تحتله العصابات التى أصبحت (الولايات المتحدة الأمريكية)، وقبل حتى أن تصبح، كان على هذه القارة أكثر من أربعمئة أمة، وفى منتصف القرن الماضى أجرت جامعة «كاليفورنيا» أبحاثاً حول تعداد أمم «الهنود الحمر» انتهت إلى أن عدد سكان أمريكا مع وصول المكتشف (كريستوف كولمبس) كان يتراوح ما بين 100 و 112 مليونا بينهم 18.5 مليون فى الأراضى المعروفة حالياً بالولايات المتحدة الامريكية، ولم يتبق منهم مع نهايات القرن الماضى سوى ربع مليون نسمة!، وصراحة يقولها الباحث منير العكش فى كتابه «أمريكا والإبادات الثقافية» حول وحشية الغزاة للقارة الجديدة (إن المستوطنين البيض قضوا على أكثر من 400 أمة وشعب كانوا يعيشون قبل الغزو الأبيض)، وهذه الإبادة تفنن الغازى الأبيض فى استحضار كل أدوات الوحشية التى تنوعت ما بين الحرق والإغراق و الرمى بالرصاص ومروراً باصطياد الضحايا أو قذفهم بالحجارة أو تهشيم جماجم صغارهم على الجدران، ووصولاً إلى قطع الرؤوس وسلخ فروتها وبتر الآذان والأنوف، وانتهاءً بعمل حفلات شرب حساء بشرى وأكل لحمه!.
كان (السحابة الحمراء) زعيماً لواحدة من الأمم الطيبة التى قطنت وعمرت وزرعت قارة أمريكا.
كان الزعيم (السحابة الحمراء) يؤمن مثل ملايين ممن حكمهم وغيره من زعماء الهنود الحمر، بنبوءة تقول (إن آلهة بيضاء سوف تأتى عبر البحر، وتخلصهم من الشرور)، ولذا كانوا يخزنون الذهب ويوكلون الرجال بمراقبة شواطئ المحيط الأطلسى انتظاراً لتلك الآلهة المُخَلِّصَة، ومع قدوم أول قطعان الاكتشاف بادر شعوب (الهنود الحمر) بتحميل الذهب على السفن، فى حين أيقنت جحافل الغزو أنهم أمام أمم لاتعرف قدر ما تملك، وأن فناءهم من على أرض الخيرات يجب أن يتم وهو ما كان.
وقف (السحابة الحمراء) زعيم أمة (السيوكس الهندية الحمراء) يتفقد آثار المذابح التى حصدت أرواح شعبه بلا رحمة وراح يسطر بكائية على إنسانية سفحتها يد الغزاة قائلاً (من الذى بدأ الغناء هنا، من الذى أطلق الأصوات الأولى للغناء فوق هذه الأرض الفسيحة، إنها أصوات الشعب الأحمر الذى كان يحيا منتقلاً فى دروبها حاملاً خيامه ورماحه وسهامه، ما الذى يحدث فوق هذه الأرض، كل ما حدث لم أكن أريده، ولم يسألنى أحد، إنهم يأتون ويعبرون فى أرضنا، وعندما يذهبون لا يتركون خلفهم سوى أنهار الدماء).
تجسد تماماً حال الزعيم (السحابة الحمراء)، بينما أتابع تعليق الفقيه الدستورى الكبير الدكتور (على الغتيت) على قانون أمريكا الجديد (جاستا) الذى يستهدف حصار المملكة العربية السعودية ضمن مخطط علنى قديم يحمل عنوان (الشرق الأوسط الجديد). حيث قال الغتيت على إحدى القنوات الخاصة إننا كأمة عربية فى مواجهة (مخطط يستهدف تفتيت السعودية لا مالها ولا نفطها، وهو مايعنى إننا أمام تحدٍ يفرض الاجتماع درءًا للضياع). وكان حديث الفقيه موجهاً تحديداً إلى دول عربية ثلاث هى (مصر والسعودية والإمارات).
أمريكا تتحرك على خريطة الكون وفق موروثها الوحشى المتعالى على الإنسانية، وفى ضوء إيمان قديم بحلم توسعى نابع من كونها المُخَلِّص للعالم والذى من حقه أن يضحى بمن شاء وقتما شاء وبأى آلية يريد مادام ذلك يحقق له غاياته.
أما الأمة العربية فلاتزال حبيسة خانات البكاء على مجد العروبة الضائع وأمجاد التاريخ الممتد وحضارات الأجداد التى راحت تُمحى تدريجياً منذ سقطت بغداد محتلة وبدأ امبراطور الإعلام الصهيوأمريكى (روبرت ميردوخ) فى تسويق أول صور فوضى الاحتلال الخلاقة، - مشهد لرجل يخرج من متحف بغداد حاملاً مزهرية - ومذيل بتعليق (انتشار عمليات السلب والنهب فى بغداد).
وتماماً كما كانت حفلات السهر للغازين تتم على أشلاء جثث شعوب الهندود الحمر وفوق نغمات صراخ أجساد زعمائهم تحترق، تعيد نفس الماكينة الغازية إنتاج مشاهد جديدة لشعوب أمتنا التى تحترق فى انفجارات المفخخات، وتتطاير على إيقاع العبوات الناسفة، وتحترق فى أفران داعش الأمريكية النموذج والصنع، بينما تقارير وسائل الإعلام الغربية عموماً والأنجلوأمريكية على وجه التحديد تؤكد أنهم يتابعون (بأسى لا يخلو من القلق)، وإن كان يترقب لحظة تقسيم خيرات الأمم التى على وشك الانقراض!
ما عادت اللحظة التاريخية الراهنة، تمنح رفاهية الاختيار لقادة المنطقة عامة ومصر والسعودية والإمارات على وجه الخصوص، بل تفرض على الدول الثلاث سرعة تجاوز أى اختلاف فى جدول الأولويات إلى أولوية عامة شاملة تحدد آليات مواجهة الغزو الجديد، قبل أن يفرض على الجميع النظر إلى الواقع بعين (السحابة الحمراء) وما قاله فى بكائيته يؤكده واقع شعوبنا فى (فلسطين ــ العراق ــ سوريا ــ اليمن ــ ليبيا)، فالأمريكان (يأتون ويعبرون فى أرضنا، وعندما يذهبون لا يتركون خلفهم سوى أنهار الدماء).