لست فى مقام الوعظ الأخلاقى. ولكن بالتأكيد، أنت وأنا، نتفق ونشهد أن واقعنا الأخلاقى، فى السنوات الأخيرة، أدركه الكثير من الاضطراب والخلل.
الوضع ليس جديداً. هو يتكرر فى أعقاب الثورات الشعبية. سجله المؤرخ الوطنى الكبير عبدالرحمن الرافعى فى مجلده الضخم عن ثورة ١٩١٩م.
كتب فصلاً عن تأثير ثورة ١٩١٩ م فى أخلاق المصريين، يقول فيه: «الأخلاق قد تراجعت بعد الثورة، فالصدق والإخلاص، والوفاء والمروءة قد نقص مستواها، عما كانت عليه من قبل، وطغت على النفوس موجة من النفعية، يلزمنا أن نتعاون على صدها». انتهى الاقتباس من المؤرخ العظيم.
أعلق من حيث انتهى. حين قال يلزمنا أن نتعاون على صد الموجة الأخلاقية السلبية. أركز هنا، على أعظم ما تملكه أمة مثلنا فى عصرنا الحديث. نصر أكتوبر المجيد. هو نصر معنوى. نصر أخلاقى. نصر للكرامة المصرية. استرداد الأرض المحتلة. رمز لكل هذا. السؤال هو: ماذا بقى لنا من هذا النصر؟ السادات قتلناه أكثر من مرة. الإسلاميون اغتالوه جسديا. اليسار اغتاله معنويا. الدولة نفسها كأنها تقف على الحياد. بعدها عشنا لنرى قاتل السادات يشارك فى الاحتفال الرسمى بحرب أكتوبر.
شىء قريب من ذلك يحدث مع الرمز الباقى. مع قادة هذه الحرب. جبن عن مواجهة الحقيقة. انسياق وراء حالة الإنكار العدمية. استسلام لأجواء سلبية من التشكيك فى كل شىء. التربص بكل ذى قيمة فى حياتنا العامة. «كلما دخلت أمة لُعنت أختها» بالتعبير المعجز للقرآن الكريم.
فى السياسة: نحن نختلف على مبارك اختلافا شديدا، بدليل النهاية التى انتهى إليها نظامه.
لكن فى العسكرية: لا نختلف على أنه من الأبطال المعدودين فى سجلات الفخار والمجد والشرف العظيم. فى حرب أكتوبر. نحن لا نختلف أنه القائد الصلب الذى سهر الليل والنهار. على مدى سبع سنوات. من الكفاح والعرق. يعيد بناء سلاح الجو المصرى. بعدما تحطم تماما ماديا ومعنويا. فى حرب يونيو ١٩٦٧م.
نحن لا نختلف على أنه القائد الذى كان على رأس هذا السلاح، فى إنجاز الحرب نفسها، بعد صلاة الظهر، يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣م.
لا أصادر على حقك فى التقييم السياسى لفترة حكم مبارك، فالسياسة هذا هو شأنها. لا تكاد تعرف الاتفاق إلا قليلا. الاختلاف فيها هو طبعها الأصيل.
لكن.. ليس من حقى. وليس من حقك. أن نصادر على حقائق التاريخ. فدور مبارك كواحد من أبطال إعادة بناء القوات المسلحة، ثم من أبطال الحرب الظافرة نفسها. هذا الدور ليس ملكاً لمبارك حتى نجرده منه أو ننزعه عنه. هذا الدور البطولى هو ملك للقوات المسلحة المصرية. هو ملك للأمة المصرية. ملك للدولة المصرية. ملك للتاريخ.
باختصار.. ممكن أن نخسر الأرض. ممكن نستردها ونحررها فى سنوات قليلة. من الهزيمة فى يونيو إلى الانتصار فى أكتوبر.
لكن.. حين نخسر كل هذه الخسائر. على جبهة الأخلاق. فإن الأمر قد يحتاج إلى عشرات السنين. حتى ننجح فى تحرير الضمير العام من ظلام ليس بعده ظلام.
فلا مذاق ولا طعم للاحتفال بنصر من خلال أخلاق مهتزة. أهدوا إلينا هذا اليوم ذات يوم.