المصرى اليوم
عبد المنعم سعيد
ارتفاع معدل النمو هو الحل؟
يوم الثلاثاد ٦ سبتمبر المنصرم حاولت تقديم نظرة «متفائلة» للاقتصاد المصرى قامت على الحجم الحقيقى للاقتصاد سواء كان اسميا أو مقوما بالقدرة الشرائية للدولار، مضافا له ما بات موعودا من مستقبل الطاقة فى مصر. الأسبوع الماضى أضاف المهندس أحمد عز فى مقاله بـ«المصرى اليوم» الكثير من التفاؤل عندما وضع مجموعة الأرقام والأوضاع التعيسة للاقتصاد المصرى فى حجمها الحقيقى، فلا كانت هى المرة الأولى التى تمر فيها مصر بهذه الأوضاع الصعبة؛ ولا كانت هى وحدها التى عاشت مثل هذه المواقف بل إن المسألة شائعة بين دول العالم بين فترة وأخرى. ولكن هذا التقييم لا يعنى أن بقاء الأوضاع على ما هى عليه يعد من الأوضاع السارة، ولكنها بالتأكيد من الأوضاع الواجب معالجتها ليس بحلول سحرية وإنما من خلال رفع معدل النمو الاقتصادى إلى المستوى الذى يجعل العجز فى المؤشرات الاقتصادية يتراجع إلى المستويات التى تعيد الأمور بعيدا عن الأوضاع الخطرة.

تفاصيل هذه النظرة المتفائلة، والموضوعية فى نفس الوقت، يمكن العودة إليها فى المقال المشار إليه؛ ولكن المسألة تصبح كيف يمكن رفع معدلات النمو؟ الحقيقة المعلنة هى أن مصر نمت بمعدلات خلال العامين الماضيين تزيد قليلا على ٤٪؛ ولكن إذا أخذنا معدلات النمو السكانى الشره والتضخم المتسارع فى الاعتبار فإن مثل ذلك يكون متواضعا فى أحسن الأحوال. فى المقابل فإن هذا المعدل يظل معقولا فى ظل ظروف صعبة من الحرب ضد الإرهاب، والتراجع الشديد فى السياحة، ثم الزيادة السكانية التى تضيف لأهل مصر مليونان من البشر وأكثر كل عام. وعلى أى الأحوال فإن هذه الظروف المعاكسة لا ينبغى لها أن تكون مبررا لانخفاض معدل النمو، وإنما محفزا لزيادته، وهو ما يلقى على الإدارة السياسية والاقتصادية أعباء ثقيلة، ولكن لا يمكن تجنب حملها.

نقطة البداية دائما هى أن النمو يرتبط دوما بالاستثمارات سواء تلك الجارية أو المضافة. فإذا تركنا هذه الأخيرة جانبا فإنه لا يمكن الحديث عن رفع مستويات النمو ما لم يتم التشغيل الكامل للمؤسسات الاقتصادية الموجودة بالفعل والتى لأسباب مختلفة فإنها تعمل بأقل من طاقتها الحقيقية بنسب تتراوح ما بين ٣٠٪ و٥٠٪؛ هذا فضلا عن التوقف الكامل عن العمل لبعض المنشآت منذ بداية عهد الثورات. وبدون الدخول فى كثير من التفاصيل فإن هناك ثلاث أسباب لهذه الحالة: أولها سياسى ويقوم على أن المستثمرين من الداخل والخارج ليسوا على يقين بعد بأن عهد الثورات قد انتهى وبدأ عهد البناء لتحقيق الأهداف الوطنية. هذا القلق لا يعود إلى استمرار العنف السياسى فقد تراجع إلى حد كبير بل إنه اقترب من معدلات مماثلة فى دول العالم الأخرى؛ وإنما يعود بشكل أكبر إلى أن الرسالة التى تصل إلى المستثمرين هى أن التوجه الأساسى للدولة هو الا عتماد على مؤسسات الدولة، أما القطاع الخاص فهو موضع شك فى الإخلاص والولاء. وثانيها أن الطاقة بأشكالها المختلفة من غاز ونفط وكهرباء ليست متاحة بالقدر الذى يكفى لدوران عجلة الإنتاج والتصدير إلى درجة التشغيل الكامل. وعلى سبيل المثال فإن السماح لمصانع الأسمنت باستخدام الفحم جعلها تعمل بكامل طاقتها؛ وكذلك فإن عودة الكهرباء إلى سابق عهدها فى توفير الطاقة للمواطنين جعلهم يستخدمونها على مدار الساعة. المدهش أن مثل ذلك لم يتوفر بعد للمصانع والورش واحتياجات الإنتاج بشكل عام. وثالثها أن الوضع الشاذ للعملة المصرية جعل كافة عمليات الاستيراد والتصدير والتسعير والصناعة والزراعة والخدمات لا تعمل بكفاءة وإنما وفق أكبر درجات الصدفة والمضاربة والتخمين والقلق بوجه عام. فعندما يفقد المجتمع والاقتصاد أدوات قياس القيمة أو تفقد معناها فإن الاقتصاد يعود إلى العصور البدائية. لقد كان الظن شائعا أنه نتيجة الإصلاحات الاقتصادية التى جرت فى مصر فى عقدى التسعينيات من القرن الماضى، والعقد الأول من القرن الحالى، أن عصر تعدد أسعار سعر العملة قد ولى وراح، ولكن «ريمة عادت لعادتها القديمة» وعدنا إلى خليط من الثمانينيات والستينيات من القرن الماضى.

الأسباب الثلاثة، أو العقبات، التى تقف أمام الاستثمار لا بد من زوالها؛ وليس معقولا أن الجهود الضخمة والهائلة الجارية الآن فى توسيع نطاق التواجد السكانى المصرى من النهر إلى البحر تتم بهذه السرعة والكفاءة بينما القاعدة الصناعية والاقتصادية فى العموم التى سوف تستخدمها مصابة بهذا الركود. الطرق والمدن والصحارات والموانى، وتعمير سيناء والساحل الشمالى، والعاصمة الجديدة؛ كلها لن تعمل بالكفاءة اللازمة ما لم تكن هناك بضائع وسلع وخدمات وسكن واستيراد وتصدير وبشر تتحرك باتساع مصر طولا وعرضا. فالاتساع الجغرافى للسوق المصرية لن يكتسب أهميته دونما تفعيل لحركة الكتلة البشرية المصرية فى الوادى والدلتا والعاصمة القديمةـ القاهرةـ بحيث تجد الوظيفة والعمل والسكن والتعليم والمجتمع الذى تعيش فيه وتتعامل معه.

التشغيل الكامل للاقتصاد الموجود بالفعل هو الخطوة الأولى والطبيعية والتى تجعل من جهد الدولة الراهن معقولا ومفهوما، ومعه سوف يقفز معدل النمو لأكثر من حالته المتواضعة الآن. أكثر من ذلك فإنه سوف يفتح الباب لاستثمارات جديدة، بل والأرجح أن الكثير من توسعات الدولة الحالية باستثناء تلك المتعلقة بقناة السويس كان ممكنا أن تتم بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص وهو التوجه الذى كان مطروحا أكثر من مرة فى السابق وآن الآن وضعه موضع التطبيق. على أى الأحوال فإن الجغرافيا الإقتصادية لمصر تحمل من الثروة ما هو أكثر بكثير من جغرافيتها السياسية والإستراتيجية؛ وبينما هذه الأخيرة قادتنا إلى المنح والمعونات والقروض وأثمان سياسية باهظة معها، فإن الأولى تعنى فى كل الأحوال زيادة الثروة المصرية بأصول ومعدلات نمو سنوية تكفى لمضاعفة الدخل القومى خلال فترة قصيرة. ما نحتاجه ليس أكثر من الاطلاع على تجارب الآخرين من ناحية (فيتنام النجم الصاعد الآن فى عالم التنمية والنمو الاقتصادى)، وإنما ما تُفصل فيه بالفعل المؤسسات الدولية فى تقاريرها المختلفة.

التشغيل الكامل للقاعدة الاقتصادية الموجودة بالفعل، مع فتح الباب للاستثمارات الجديدة، سوف يكتمل تأثيره على معدل النمو عندما نأخذ خطوات شجاعة لوقف النزيف الجارى من المؤسسات الاقتصادية العامة المملوكة للدولة. لقد سبق الحديث عن ذلك مرارا وتكرارا لأنه من الطبيعى ألا تأتى استثمارات جديدة بينما يوجد فى البلاد حالة من البعد عن الرشادة الاقتصادية وعدم الكفاءة فى إدارة أصول الدولة. كلمة للحكومة وأولياء الأمر أن كل ما يقال عن إعادة الهيكلة وتغيير الإدارة والإصلاح الاقتصادى والإدارى قد تم قوله من قبل العديد من المرات، وكانت النتيجة كل مرة زيادة الإنفاق العام ومن بعده تأتى الخسائر المتوالية. صحيح أن القطاع العام تقلص نصيبه من الناتج المحلى الإجمالى إلا أن نزيفه المستمر يحمل البلاد ما لا طاقة لها به، وبدلا من المساهمة فى زيادة معدل النمو فإنه يؤدى إلى خفضه.

بقى فى النهاية أن الأزمة الاقتصادية الراهنة فى البلاد لا ينبغى لها أن تغطى على الإمكانيات الكبرى، والفرص المتاحة فى البلاد، والتى إذا ما أحسن استغلالها فإن الخروج من المأزق ممكن وخلال فترة زمنية معقولة. المسألة ببساطة هى إدارة الثروة فى الدولة، سواء كانت أصولا عامة أو خاصة؛ ومصر لديها من القدرات التى تجعلها جاذبة للثروات العالمية والإقليمية لكى تأتى إليها وأمامنا مثال النفط والغاز الذى أشرنا له من قبل الذى يجذب الآن استثمارات كبرى. دعونا نفكر وفقا لطموحات كبرى، المهم أن نعرف أننا لن نعيد اختراع العجلة لأنه تم اختراعها منذ وقت طويل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف