محمد السيد عيد
وزارة السيولة ( الثقافة سابقاً)
أعتقد أن المشكلة الرئيسية التي تواجه مصر الآن مشكلة ثقافية في المحل الأول ؛ فالمواجهة الأمنية مع الإسلام السياسي مسألة مؤقتة، أما المسؤول الحقيقي عن مواجهة الفكر المتطرف، والآراء المتشددة، فهي الثقافة. ورغم أهمية الثقافة في ظروفنا الحالية فإن وزارة الثقافة منذ يناير 2011 لم تعرف الاستقرار، لأن الوزراء يتغيرون قبل أن يدفئوا أماكنهم. لقد استهلكنا خلال السنوات الست الأخيرة ثماني وزراء : جابر عصفور، عماد ابو غازي، شاكر عبد الحميد، صابر عرب، محمد الصاوي، علاء عبد العزيز، عبد الواحد النبوي، حلمي النمنم. وبعض هؤلاء تولي الوزارة مرتين، وبعضهم تولاها ثلاث مرات. ومعني هذا أن الوزراء لا يتمتعون بالاستقرار، ولا يستطيعون أن يفكروا في وضع رؤي، أو اتخاذ قرارات تغير الواقع. أذكر أن الأستاذ سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق كان يتحدث معي في مشكلة معينة، فقلت له : لماذا لاتعرض الأمر علي الوزير ؟ فقال لي : بل عرضته. سألته : وماذا فعل ؟ أجابني : طلب مني السكوت، وقال لي أنا قاعد لي شهرين تلاته وماشي خليني أقضيهم في هدوء.. إلي هذا الحد وصلت الأمور، فهل يمكن أن نتوقع عملاً ثقافياً بعد ذلك ؟
الشيء الوحيد الذي يفعله معظم وزراء الثقافة بعد الثورة هو أن يلعبوا لعبة الكراسي الموسيقية مع كبار موظفيهم. وإليك بعض النماذج : أحمد مجاهد كان يتولي هيئة قصور الثقافة فنقله عماد أبو غازي إلي هيئة الكتاب، فلما جاء علاء عبد العزيز ألغي ندبه وأعاده للجامعة، ثم أعاده صابر عرب لموقعه، ثم ألغي حلمي النمنم ندبه. هل رأيتم حالة السيولة التي تعاني منها الوزارة ؟
مثال ثان : الدكتور أبوالفضل بدران انتدبه د. عبدالواحد النبوي عندما كان وزيرا أمينا عاما للمجلس الأعلي للثقافة وقبل أن يأخذ فرصته نقله حلمي النمنم لهيئة قصور الثقافة، وبعد شهور أنهي ندبه. لماذا جاءوا به أصلا إذا كانوا لا يريدونه؟ إنها الرغبة في التغيير لا أكثر.
مثال آخر صارخ : هيئة قصور الثقافة. منذ الثورة حتي الآن تولاها : أحمد مجاهد، سعد عبد الرحمن، مسعود شومان، سيد خطاب، محمد عبد الحافظ ناصف، فمحمد أبو الفضل بدران، فسيد خطاب للمرة الثانية. معني هذا أن رئيسها تغير ثماني مرات في ست سنوات، فهل هناك سيولة أكثر من هذا ؟
ومثلما يلعب الوزراء لعبة الكراسي الموسيقة مع كبار موظفيهم فإن بعض رؤساء الهيئات يكررون اللعبة في هيئاتهم. وسأكتفي بالحديث عن هيئة قصور الثقافة باعتبارها نموذجاً. وهاهي بعض الأمثلة : انتدبوا السيدة نانسي سمير رئيساً للإدارة المركزية للشؤون الفنية في عهد سعد عبد الرحمن، ثم جاء سيد خطاب في ولايته الأولي فنقلها رئيساً للإدارة المركزية لمكتب رئيس الهيئة، ثم جاء أبو الفضل بدران فأعادها للشؤون الفنية، ثم جاء سيد خطاب في ولايته الثانية فاكتشف أنها منتدبة علي الدرجة، وأن درجتها الفعلية مدير عام، فلم يجدد لها في المدير العام، وبذلك وجدت نفسها موظفة بدرجة كبير. مثال آخر : محمد زيدان، كان مديراً عاماً فلم يجدد له أحمد مجاهد، فتحول إلي كبير، ثم أعاده سعد عبد الرحمن مديراً عاماً، ثم انتدب رئيساُ لإقليم غرب الدلتا بدرجة رئيس إدارة مركزية، ثم ألغي سيد خطاب ندبه للدرجة، ولم يجدد له في درجة المدير العام، فصار بدرجة كبير. والأمثلة لاتحصي ؛ خلاصتها أن هناك حالة سيولة شديدة في هيئة قصور الثقافة كما هي الحال في الوزارة
هل يمكن أن يتحقق إنجاز ثقافي في ظل هذه السيولة؟
كنا قبل الثورة نشكو من استمرار فاروق حسني لمدة ربع قرن، والآن نشكو من عدم الاستقرار. أليس خير الأمور الوسط ؟ إنني أطالب القيادة السياسية باختيار وزير صاحب رؤية، له خبرة بالوزارة، وإعطائه الفرصة لتحقيق الاستقرار ؛ أما مايحدث حالياً فحرام حراااااااااااام .