قدرى ابو حسين
نصر أكتوبر .. معين لا ينضب
في الخامس من يونيه 1967. هُزمت القوات المصرية. بل والعربية. واحتُلَّت سيناء المصرية. والضفة الغربية الفلسطينية. وهضبة الجولان السورية.. وكان حدثاً مروعاً. فوجئت به الجماهير العربية عامة والشعب المصري خاصة الذي كان قد تهيأ لنصر قريب وبموقف وطني فريد صارح الزعيم عبدالناصر شعبه والأمة العربية بالهزيمة. وأعلن في شجاعة مسئوليته عنها. وقراره بالتنحي.. إلا أن الجماهير بوعيها العبقري. رفضت ذلك. وتمسكت بالقائد رغم الهزيمة. وهو موقف لم يكن يتوقعه أحد من ساسة العالم. لكن هكذا هي مصر. وشعبها. واعتقد جازماً أن قرار الحرب اتخذته الجماهير يومي 9 و10 يونيه. التي تحركت بتلقائيتها وبوازع من تراكمات تاريخية مستقرة في وجدانها أدركت أن مصر أمام مؤامرة.
.. وأمام رغبات الجماهير الهادرة. عاد القائد إلي موقعه. وبدأت خطوات أدت بنا إلي نصر أكتوبر.
الحديث عن نصر أكتوبر لا يكتمل. ولا تتضح أبعاد الصورة إلا إذا استعرضنا ما جري العرف علي تسميته بحرب الاستنزاف. وهي التي بدأت بمعركة رأس العش. عندما حاول العدو التحرك صوب مدينة بورفؤاد. بهدف احتلالها يوم 1 يوليو 1967. فتصدت لها الصاعقة المصرية. وتصاعدت العمليات. لكن العدو كان تركيزه علي الجبهة الداخلية وسعيه نحو خلخلتها وإفقادها الثقة في قائدها وجيشها.. ركزت ردود أفعالها علي ضربات لمواقع مدنية تمثل ركيزة في البنية الأساسية استثمر فيها اضعف وسائل الدفاع الجوي للمنطقة الشرقية لوادي النيل. وكانت عملية ضرب محطة محولات نجع حمادي في 1 نوفمبر 1967. والتي هاجمها مرة أخري في 29 أبريل 1969. تخلل هذه الفترة ضرب مدرسة بحر البقر وإلقاء صناديق متفجرة علي مسار سكة حديد الصعيد. بهدف تدمير أحد قطارات الركاب المتجهة من القاهرة لأسوان عند مدينة المنشأة. ولولا عناية الله لكانت كارثة بكافة المقاييس. حيث انفجر أحد الصناديق الملقاة بالبراشوت علي بعد أمتار من خط السكة الحديد. ولنا أن نتصور حجمه وخطورته إذ ترتب علي انفجاره حفرة بعمق 17 مترا. مما أدي إلي مقتل 84 فرداً لحظة الانفجار. ثم كان تفجير 11 برج كهرباء للضغط العالي دفعة واحدة في المنطقة الصحراوية. شرق مدينتي المنشأة وجرجا..التفاصيل كثيرة. لكن أبرز ما في حرب الاستنزاف "هذه التسمية هي التي أطلقها الرئيس جمال عبدالناصر" بدأت بمعركة رأس العش. وامتدت حتي مبادرة روجرز 1970. أهم ما تميزت به هذه الحرب ووقائعها وأحداثها كثيرة. وبطولاتها وإبداعاتها أكثر.. أن الجبهة الداخلية كانت في أعلي مستويات مستويات التعبئة ومصداقية الانتماء والرغبة في التضحية.. وكل ما ركز العدو الإسرائيلي لتحقيق خلخلة بين الشعب وقائده. وجيشه.. ارتد النصل إلي نحره. ويزداد تعلق الجماهير وتمسكها بقائدها وجيشها.
أذكر أنه خلال هذه الفترة تشكل ما سُمي بالدفاع الشعبي والعسكري. تحمل الشعب فيه مسئولية حراسة المنشآت والمرافق الحيوية. بل وتعهد أهل القري متطوعين بحراسة أبراج الضغط العالي في الصحراء شرق النيل من أسوان حتي القاهرة. علاوة علي نقاط مراقبة بالنظر لرصد الطائرات التي تخترق الناحية الشرقية. وكان القائمون بها يتناوبون العمل من علي المآذن. وصهاريج المياه.. جري تنظيم الأمور الحياتية والمجتمعية. رغم قسوة الظروف بقبول رائع من المواطنين. لم تؤثر فيهم أزمة هنا أو مشكلة هناك. كل ذلك وعمليات البناء لم تنقطع. وكان الشعار يد تبني ويد تحمل السلاح.
نصر أكتوبر والاعداد له من خلال حرب الاستنزاف معين لا ينضب بالبطولة والشجاعة والوطنية المصرية. لابد أن تتناقلها الأجيال حتي تبقي روح أكتوبر جزوة متقدة وممتدة في الوجدان المصري.