محمد صلاح البدرى
زيارة جديدة.. للبانوراما!
لم أكن قد تجاوزت الخامسة عشرة من عمرى حين قرر والدى رحمه الله أن يصطحبنى -وأطفال العائلة كلها- معه لزيارة ذلك المبنى الدائرى الفخم، والواقع أنها لم تكن زيارة مملة على الإطلاق، لقد كانت المرة الأولى التى أزور فيها مبنى «بانوراما حرب أكتوبر» الكائن فى طريق صلاح سالم، الذى يحكى تاريخاً وبطولات لجيش قرر أن يستعيد كرامته وعزته بعد نكسة مذلة! الأمر كان ممتعاً لطفل ما زال يتحسس طريقه نحو الحياة، وما زال يكون أفكاره ومعتقداته، كما أعتقد أنه كان مهماً للغاية ليعرف هذا الطفل كيف حارب جيشه ليستعيد الأرض وليستعيد كرامة وطن بأكمله! ثم تكررت زيارتى للمبنى بعدها أكثر من مرة فى رحلات مدرسية مختلفة، وعلى الرغم من أننى كنت أستمتع بالزيارة فى كل مرة، ولكننى لم أنس المرة الأولى التى زرتها مع والدى، لم أنسها أبداً! لقد مرت الأعوام وخط الشيب فى رأس هذا الطفل، ولكنه لم ينس أبداً تلك التجربة ولم ينس بطولات جيشه، لقد نجحت تلك الزيارة القصيرة فى أن تزرع بداخله فخراً بجيشه وبوطنه لم ينمح حتى الآن، لقد نجحت فى أن تزرع فى وجدانه انتماء للوطن، ربما لم يعد موجوداً فى أبناء الأجيال الجديدة بالصورة الكافية! لقد لاحظت أن أحداً لم يعد يزور ذلك المبنى كثيراً، لم يعد هناك ذلك الوالد الذى يصطحب أطفاله ليروا ماذا فعل جيشهم، لم تعد بانوراما حرب أكتوبر مزاراً معتاداً فى برامج الرحلات المدرسية المتكررة، والحقيقة أننى لا أعلم لذلك سبباً واضحاً، لقد نسى الجميع ذلك المبنى الفخم، وأسقطته المدارس من برامج رحلاتها دون سبب، ولم يعد هناك أب يهتم أن يحكى لأبنائه تاريخ وطنهم أو يزرع بداخلهم الانتماء لهذا التراب الذى بُذلت من أجله الدماء، ولا يحدثهم عن الكرامة التى استعادها جنود بواسل، لم يترددوا فى التضحية بحياتهم عن طيب خاطر وهم يهتفون باسم الله! الطريف أن الزيارة زهيدة الثمن بالفعل، فلن يحتاج أحد أكثر من ثلاثة جنيهات للدخول، ولن يندم على الوقت الذى سيقضيه مع أولاده بداخلها! لقد هل علينا شهر أكتوبر الذى تأتى فيه ذكرى الانتصار العظيم، والذى ينبغى أن نحكى فيه لأولادنا ماذا فعل جنودنا البواسل لاستعادة الأرض والكرامة، لم لا نجعل الاحتفال بنصر أكتوبر هذا العام مختلفاً؟ لم لا نصطحب أبناءنا إلى مبنى البانوراما مرة واحدة بدلاً من المنتزهات التقليدية؟! لم لا نحاول أن نشرح لهم ماذا حدث يوم السادس من أكتوبر، ونحاول أن نزرع فى داخلهم حب هذا الوطن فى سن مبكرة؟
إن الوطن يعانى من تحديات متعددة فى الفترة الأخيرة، والعديد من المفاهيم قد اختلطت فى ذهن الأجيال الجديدة، الأمر يأتى بالتزامن مع حرب جديدة شرسة يخوضها جنودنا
على أرض سيناء كل يوم، ويتزامن مع شهداء جدد، ما زالوا يسجلون بأرواحهم ودمائهم بطولات جديدة تضاف إلى تاريخ هذا الوادى الطيب، دون أن يشعر بهم أحد، أو يخلد ذكراهم!!
أعتقد أن اقتراحاً بمحاولة الترويج الإعلامى والسياحى لمبنى البانوراما من جديد ربما يكون جيداً، وأيضاً استحداث مكان بها لبطولات القوات المسلحة الجديدة فى سيناء، وإدراج المزار فى برامج الرحلات المدرسية، فالجيل الجديد يحتاج أن يعرف تاريخه بصورة أكثر وضوحاً، والوطن يحتاج أن يجد من أبنائه من هم أكثر وعياً بمفهوم الانتماء! الوطن يحتاج إلى زيارة جديدة.. للبانوراما!