المساء
محمد جبريل
ع البحري .. الفردة!
زمان. كان الزبال يتردد علي البيوت. علي كتفه قفة. يدس فيها القمامة لقاء أجر من أمام كل شقة. ينزل إلي العربة ذات الحمار. فتأخذ طريقها إلي تلال منشية ناصر.
تابعت - ذات صباح في السبعينيات - خناقة بين المقيمة في الطابق العلوي والزبال حول أجره الشهري. رفضت زيادة القروش العشرة إلي خمسة وعشرين قرشا.
لم يتبدل الحال بين ما كان وما نحن فيه الآن. وإن تضاعفت القروش إلي خمسة جنيهات يتقاضاها الزبال عن كل شقة. أو كل شهر. مع تعديلات أهمها أن الزبال لم يعد يتردد علي البيوت سوي ثلاث مرات - علي الأكثر - كل أسبوع.
التغير الحقيقي أحدثته الحكومة منذ سنوات. أعلنت استغنائها عن الزبالين. وعهدت بالمهمة إلي شركة أجنبية. مقابل عقد إذعان قيمته ثمانية جنيهات. تضاف إلي فاتورة الكهرباء.
أخفقت الشركة الأجنبية في عملها. أو أن الحكومة طمعت في قيمة الفواتير. وهي - في ظني - تبلغ الملايين. واصل الزبال عمله الذي لم يتوقف يوما. وإن صاحب أداءه دلع كأنه يعاقب المواطنين علي استغناء الحكومة عنه. لفترة قصيرة. لجأ فيها المواطنون إلي وضع أكياس القمامة بجانب الأرصفة. بينما حولت وزارة الكهرباء أو المحافظة - كله حكومة! - زيادة فاتورة الكهرباء إلي ¢فردة¢ علي المواطنين دفعها.
عاد الزبال إلي مملكته. يديرها علي النحو الذي يرضي هواه: اشترط أن توضع القمامة اليومية في كيس بلاستيكي. ليسهل حملها إلي العربة. وقصر تردده علي البيوت - كما أشرت - علي مرات قليلة طيلة الشهر.
لأن الغلاء - فيما يبدو - مسئولية المواطنين. فإن الحكومة تصر علي فردة الجنيهات الثمانية. أما الزبال فقد رأي ان درء الغلاء من ناحيته يحتاج إلي رفع قيمة تسلم القمامة. في المرات القليلة. إلي عشرة جنيهات. أي إلي الضعف. هذا هو آخر بيان للزبال. الحكومة تأخذ فلوسكم بلا مقابل. أنا أحصل علي مقابل العمل الذي أؤديه. وأعطي لنفسي الحق في رفع القيمة إلي الضعف!
العناد دفعني إلي حمل القمامة إلي الطريق. لكنني اكتشفت اختفاء الصناديق المعدنية التي وضعتها الشركة الأجنبية الراحلة علي النواصي. الأصح أني لذت بصمت حكيم وأنا أشاهد الزبال يحطمها. حتي تعود إليه مملكته السليبة. ولأنها عادت فمن حقه أن يرفع قيمة ما يتقاضاه إلي الضعف!
أخشي أنه عندما تطول بنا الحيرة: إلي من نجأر بالغوث. وإلي من نشير بالاتهام. فسنشير إلي أنفسنا. نحن من يجب أن نعاقب علي تهمة البلطجة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف