سامح عيد
المبالغة فى تعذيب المواطنين
من الأمور الغريبة في مصر -وفي مصر وحدها- تحدث هذه الغرائب:
يخرج 200 ألف موظف على المعاش سنويا، هؤلاء المواطنون يكون لهم أيام إجازات لدى الدولة خلال مدة عملهم التي تتراوح بين 20 عاما و40 عاما، من حق الموظف أن يأخذ مقابل أيام الإجازات الاعتيادية التي لم يقم بها خلال مدة خدمته مقابلا ماليا يعينه بعد خروجه على المعاش، وخاصة في ظل المعاشات الهزيلة التي يأخذها الموظف، والتي تتراجع بمستوى معيشته تراجعا مزريا، ويقال إن قانون الخدمة المدنية المزمع تنفيذه لاحقا ربما يحل هذا الأمر، وإلى أن يتم حل هذا الأمر، فإن الدولة تمتنع عن إعطاء هذا المقابل المالي، تقولي ليه، حقولك آهي بلطجة حكومية. يقوم الموظف أو بالأحرى الـ200 ألف موظف يرفعون قضايا على الدولة ويكسبوا القضية قولا واحدا من غير ولا كلمة، وأصبح هناك محامون متخصصون في تلك القضايا مقابل نسبة من التعويض، وبما أن القضايا قد أُلغيَ أن تكون جماعية، فمثلا كل مئة موظف يرفعون قضية واحدة، لأنه نفس الملابسات، ولا تغيير، ومش عارف ليه أُلغيت برضه، هو في حد فاهم حاجة، المهم إنهم في النهاية بياخدوا مستحقاتهم المالية. هل فكّر أي مسؤول من داخل أمّ الصندوق القديم حتى يريح الناس من العذاب، ومن نسبة الـ10% اللي بياخدها المحامين دى غير المصاريف الإدارية التي تأخذها المحكمة؟! إنه يأخذها من قصيره ويدفع، مستحيل طبعا، بل الموظف المحترم اللي فيهم، يقوم من نفسه مطلَّع لك رقم المحامي، ويقولك روح ارفع قضية وحتكسبها، هل يعرفون حجم القضايا التي تضاف إلى الرولات في المحاكم وترهق القضاة وتشغلهم عن القضايا الأكثر أهمية، بالإضافة إلى أن كثرة القضايا، كما نعرف، تجعل القضية تمتد لسنوات داخل أروقة المحاكم؟ وتأخير الحقوق هو جزء من المعاناة وجزء من الظلم الذي يلحق بالمواطن. وهل تدركون شعور هذا الموظف وهو يجري ورا المحامي وورا القضية وهو في أمس الحاجة إلى هذا المال؟ هل تدركون حجم الأسى والمرارة التي يلاقيها وهو يذهب من الموظف هذا لذاك، بعد أن كان موظفا كبيرا له شنَّة ورنَّة، ولا تسمح له سنُّه بهذه المرمطة، وأعرف الكثيرين الذين لم يكملوا حياتهم، وانتهت بسبب أوجاع نفسية، لا عضوية ألمّت بهم، بعد أن شعروا بالأسى من أناس كانوا يخدمونهم للكراسي التي كانوا يجلسون عليها، وبعد أن تركوا تلك الكراسي تنكروا لهم وتجاهلوهم، وأصبح الموظف الكبير، الذي كان يسيِّر مصالحه بالتليفون، أصبحت الموظفة التي في عمر ابنته، لا ترد على سؤاله ولا تنظر إليه، وتنشغل عنه بالتليفون الذي في يدها، أو بالشات مع أحد أصحابها على الواتس، وترد عليه بلا مبالاة، وتحدفه على أي مكتب آخر، أو تتحجج بأي ورقة عشان توزعه، يمكن يزهق ومايرجعش تاني؟! هل فكر القضاة في النظر من جديد للقضايا المرفوعة وتخفيضها؟ فمثلا هناك قضية مالهاش أي لازمة اسمها إعلان وراثة، من الممكن أن تقوم المحليات، أو مكتب الشهر العقاري بإتمامها، لأنها إجراء روتيني جدا، وهناك قضية تسمى إثبات صحة توقيع، برضه مالهاش أي لازمة، هناك عدد من الطرق الأخرى لتوثيق الحقوق، أو ضمانها، بعيدا عن الطرق الملتوية وإشغال رولات المحاكم بأرقام وقضايا مالهاش أي لازمة، طبعا قضايا الشيكات والغارمين اللي ماليين السجون بسبب بوتاجاز أو غسالة بالتقسيط، وفي الآخر تييجي ليلى علوي تلمّ لهم تبرعات في رمضان عشان تخرَّجهم. من الممكن أن ما أقوله يحتاج إلى شيء من الدراسة، ولكن هل فكّر أحد في عمل هذه الدراسة، وسأل المعنيين بالشأن ودرس السلبيات من جراء هذا الأمر، والأعباء المالية والنفسية، على المتقاضي وعلى منصة القضاء نفسها، التي ترهَق بأمور كثيرة كان من السهل تجنبها، والبحث عن بدائل لها؟! نحن نظام بلا عقل يفكر له، ويخرج له أوراق عمل، نحن دولة عضلات، والعضلات لن تنهي أمرا ولن تحل مشكلة، بل على العكس، الأخطاء الكارثية التي تمارسها العضلات المنتفخة بلا عقل، توقع الدولة في مآزق لا مثيل لها (روجيني نموذجا) وخاصة عندما نعرف أن تلك العضلات لم تنشأ بشكل تدريجي ومجهود وإرادة، ولكنه النفخ الذي تفعله الهرمونات، والمغذيات الصناعية، وتكون آثاره الجانبية ضارة للغاية.