هل يعيش بعض النواب والمسئولين السابقين حالة عقلية طبيعية هذه الأيام؟. نائب معروف بعجن الكلام من حين إلى آخر، خرج مطالباً بإجراء كشوف عذرية على الطالبات قبل الالتحاق بالجامعة، ومن بعده خرج نائب آخر يرفع الشعار نفسه، ويطالب بالمطلب نفسه. نائب جديد ظهر على الشاشة يقول إن جنيهاً واحداً يكفى لإفطار المواطن.. وكفاية رغد بقى!، ومن قبله ردد أحد الوزراء السابقين كلاماً عن أن من يحوز 16 جنيهاً فى اليوم لا يصح النظر إليه على أنه فقير، بل يحيا فى الرغد الأقرب إلى «السبهللة». كلام نائب الجنيه يتسق مع تقديرات الوزير، فإذا كان الجنيه كافياً لإفطار مواطن، فمؤكد أن جيب هذا المواطن لو تدفأ بـ16، فيصح أن نعتبره من الفرقة الموسرة الناجية، فالذى يفطر بجنيه، يتغدى باثنين، ويتعشى بـ«لحلوح»، وبالتالى فهو يوفر يومياً 12 جنيهاً، يستطيع أن يستثمرها فى شراء أرض، أو فيلا، أو يضعها فى البنك، فإذا لم يكن من هواة الكنز فبمقدوره أن يصيف بما يتبقى لديه كل عام فى أوروبا، أو يستاح فى أمريكا، أو يتصدق بها على الحكومة، أو يفعل بها ما يشاء!
السؤال من جديد: هل يعيش من يرددون هذا الكلام حالة عقلية طبيعية؟
البعض ينفى، بل يطالب بجعل الكشف على القوى العقلية للنائب شرطاً من شروط الترشح لعضوية النواب أو شغل منصب حكومى. وحقيقة فإننى لا أستطيع أن أذهب إلى ما يذهب إليه هؤلاء، فمن يخرج علينا بمثل هذه الأحاديث واعٍ تماماً بما يقول، بل قد يكون أذكى من الجميع. فهو يريد أن يستمر فى موقعه، أو يسعى إلى تبوؤ موقع جديد لصناعة القرار بعد أن غادر موقع الوزارة، وهو يريد أن يقدم نفسه للسلطة على أنه رجل المرحلة القادر على استيعاب متطلباتها، والمساعدة فى ترجمة أفكارها. الظروف الاقتصادية الضاغطة التى تعيشها البلاد تدفع السلطة فى الكثير من الأحيان إلى دعوة المصريين إلى التحمل، والتقشف، ومعالجة الغلاء بالاستغناء، والتخلى عن السلوكيات الاستهلاكية، والالتزام بمعادلة «العيش على قد الإيد»، وتعتمد على زيادة الضرائب والتخفف من الدعم، فى ترجمة توجهاتها ورؤيتها للتعامل مع المشكلة الاقتصادية الحالية. فى هذا الظرف العصيب من الطبيعى جداً أن يظهر «نائب الجنيه» و«وزير الـ16 جنيه»، وبجملة العجن، لا مانع أيضاً من الكلام عن كشوف العذرية على الطالبات، على أساس أن «كله عجين»!
يعيش المذكورون حياة عقلية طبيعية، بل يمكن القول بأنهم «أذكى إخواتهم»، إنهم يحاولون استدعاء معادلة لم ينجُ منها الكثير من المسئولين السابقين، الذين كانوا يتحدثون عن الشعب الغنى (وانظر إلى عدد التكييفات)، أو (طل على السوبر ماركتات)، والشعب المرفه (الذى لا يريد ارتداء الملابس القطنية والتجمع أسفل مروحة أو تكييف واحد لما الدنيا تحرر)، والشعب الغلبان (الذى لا يستحق الديمقراطية أو الحرية) وغير ذلك من عبارات سبق أن سمعناها من وزراء ورؤساء وزارات وحزبيين وكبار رجال حكم. ولست أجد وسيلة لمعالجة ظاهرة «أذكى إخواتهم» إلا أن تخرج السلطة الحالية لتعلن بلا مواربة أن الزمان اختلف وأنها غير راضية عن هذا العجن..!