الجمهورية
خالد عبد العزيز
6 أكتوبر ومنتخب مصر !!
يوم السبت 6 أكتوبر 1973. كنت في بداية المرحلة الثانوية بمدرسة الأورمان بالدقي.. وسيراً علي الأقدام كنت أعود إلي المنزل في منطقة المهندسين في حوالي ساعة. وكانت كل الأمور تبدو عادية.. وحينما وصلت في هذا اليوم بعد الثالثة بقليل علمت من والدتي أن الحرب قد بدأت. وأن هناك بياناً قد صدر عن القوات المسلحة المصرية.
في ذلك الوقت لم تكن هناك شبكة إنترنت. أو مواقع إلكترونية. أو تواصل اجتماعي. أو قنوات فضائية مصرية وعالمية. أو تليفونات محمولة. ومصادر المعلومات هي التليفزيون المصري. ونشرات الأخبار في الإذاعة والصحف اليومية "الأهرام والأخبار والجمهورية".
ولأن والدي رحمه الله كان صحفياً بجريدة الأهرام. حاولت الاتصال به علي رقم الجريدة 46464 "أهرام" لمعرفة أي معلومات. أو أخبار. وبعد الوصول إليه بصعوبة كان الرد "الحرب بدأت.. إقفل دلوقتي أنا مشغول. ونتكلم بعدين".
استمعت أنا ومجموعة من جيراني الشباب إلي البيانات العسكرية الصادرة عن القوات المسلحة المصرية. وحقيقة الأمر كان بعضنا يتشكك فيها. وحاولنا عن طريق الراديو الاستماع إلي إذاعة لندن ومونت كارلو. وحتي إذاعة إسرائيل. ولم نستطع أن نصل إلي حقيقة مؤكدة تستقر في وجداننا.
انتظرت تليفون والدي طويلاً. وفي الحادية عشرة مساءً اتصل بنا وكانت الجملة التي قالها ومازلت أذكرها. وأعتقد أنني لن أنساها "ده أعظم يوم في تاريخ مصر ــ جيشنا الناحية التانية من القناة".
حاولت أن أعرف تفاصيل أكثر من والدي عما يذاع ببعض الأسئلة. وكان يؤكد في كل مرة أن الإعلام المصري هو الأصدق. وما يعلنه هو الأقرب للحقيقة. وعلينا أن نستمع له فقط. ونصدقه. ولا نستمع أو نصدق أي إعلام آخر غير "إعلام مصر" وفي صباح يوم 7 أكتوبر كانت عناوين الصحف المصرية باللون الأحمر "قواتنا عبرت القناة.. واقتحمت خط بارليف".
لم تتوقف المدارس. وتأجلت الدراسة بالجامعة. ولم تكن قد بدأت بعد. وعشنا أياماً تاريخية ونحن نتابع نشرات الأخبار والصحف والتليفزيون.. والشعب المصري كله. خاصة الشباب. فخور بما تحققه قواتنا المسلحة من انتصارات متتالية علي أرض سيناء في أشرس معارك الدبابات علي مر التاريخ. وما نراه لأول مرة من شكل الأسري الإسرائيليين.
كان أعظم أيامنا علي الإطلاق هو يوم الثلاثاء 16 أكتوبر 1973. حينما ذهب الرئيس الراحل أنور السادات إلي مجلس الشعب وألقي خطبته الشهيرة. وتحدث عن "حلاوة النصر وآماله". وبكينا جميعاً فرحاً وبهجة. وفخراً.. حينما وقف المشير أحمد إسماعيل علي. رحمه اللَّه. وزير الحربية. وارتدي الكاب وأدي تحية القائد المنتصر لرئيس الجمهورية تحت قبة البرلمان.
الإعلام المصري في ذلك الوقت لعب دوراً رائعاً وزاد من صلابة الجبهة الداخلية. والنصر المؤزر وحَّد الشعب. حتي رصدت التقارير أن أقل معدل لارتكاب الجرائم بكافة أنواعها كان خلال حرب أكتوبر.
يا شباب مصر.. أيام وظروف صعبة عشناها في تلك الفترة وما سبقها.. هي أصعب كثيراً من الظروف التي نعيشها الآن.. لكنها مرت بالصبر وكفاح الشعب حتي كتب الله لنا النصر في النهاية.
بعد 33 سنة أخري من هذا النصر العظيم التف الشعب المصري مرة أخري حول المنتخب الوطني لكرة القدم بصورةرائعة ومبهرة لإحراز كأس الأمم الأفريقية عام 2006. التي أقيمت في مصر.
وطبقاً لما ذكره لي العاملون بمركز معلومات مجلس الوزراء في ذلك الوقت. وقد تشرفت بأنني كنت مديراً تنفيذياً لهذه البطولة.. أن أمم أفريقيا 2006 هي ثاني أكبر حدث بعد حرب أكتوبر 1973. يجتمع حوله المصريون ويهتمون به ويتابعونه. علي اختلاف أعمارهم وثقافتهم ومعتقداتهم ومستواهم الاجتماعي. والبيئة التي يعيشون فيها. وأن ثاني أقل معدل لارتكاب الجرائم بكافة أنواعها في مصر كان أيام هذه البطولة في يناير وفبراير 2006. والتي أحرزت مصر كأسها بفضل المؤازرة الجماهيرية غير المسبوقة. حيث غطت الأعلام المصرية الشوارع والميادين والمنازل وشاشات التليفزيون وملابس الجماهير.
الشعب المصري علي مر العصور يلتف حول جيشه العظيم. ويقدره ويحترمه. ويؤازره.. كذلك يفعل مع المنتخب الوطني لكرة القدم. حينما يبذل قصاري جهده ويفوز ويحقق المجد لبلاده.
هذه رسالة واضحة لشباب منتخب مصر الأول لكرة القدم وهو يخوض تصفيات كأس العالم روسيا 2018 لبذل الجهد والعرق والتأسي بشباب مصر الأبطال الذين حققوا النصر العظيم في أكتوبر .1973
رحم اللَّه شهداءنا.. وأعز أبطالنا.. وأسعد أيامنا.. بالتوفيق يا شباب.. وتحيا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف