لا أعرف الى متى سوف نظل ننخدع فى قراءة الإشارات القادمة من تركيا، حول مستقبل العلاقة بيننا وبينهم، فى ظل وجود أردوغان فى الحكم ؟
لقد كان وزير خارجيتنا سامح شكرى فى فنزويلا، منتصف الشهر الماضى، وكان وجوده هناك لحضور مؤتمر عدم الإنحياز، وعلى هامشه التقى مع مولود جاويش أوغلو، وزير خارجية تركيا، وما إن نشرت وسائل الإعلام، الخبر، حتى انطلقت التخمينات، والتأويلات، والتفسيرات، حول الهدف من اللقاء، وحول أبعاده، وحول مراميه، وحول أهدافه البعيدة !
ولم تتوقف التخمينات، ولا التأويلات، ولا التفسيرات، عند حدود أصحابها ممن يراقبون الأحداث من بعيد، ويحاولون أن يقرأوا فيها مابين السطور، أو حتى ماوراء الأستار !
لا..لم تتوقف الحكاية عند هذا الحد، ولكنها تجاوزته الى أن وصلت إلى
المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث باسم الخارجية، الذى قال مامعناه، إن
لقاء الوزيرين، يعكس رغبة من الطرف الآخر فى تحريك العلاقات بين البلدين من مرحلة الجمود الحالية، إلى مرحلة أخرى تكون الأمور فيها بيننا أفضل مما هى عليه فى اللحظة الراهنة، ومنذ ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣! وعندما يقول متحدث رسمى للوزارة مثل هذه المعنى، فالمؤكد، عندئذ، أو المتصور على الأقل، أن تكون عنده معلومات فى الاتجاه الذى يشير إليه لنا، والمتصور كذلك أن تكون عنده أشياء عن الموضوع ليست عند الذين يراقبون من بعيد، وأن تكون هذه المرة من لقاءات المسئولين فى. البلدين، مختلفة عن المرات السابقة، ولو بدرجة واحدة ! غير أن أياماً لم تكد تمر حتى تبين لنا، أن اللقاء بين شكرى وبين أوغلو، لم يكن سوى لقاء عابر بلا مضمون حقيقى، ولم تكن وراءه رغبة من الطرف الآخر فى تطوير العلاقات ولا يحزنون، وأنه ربما يكون أحدهما قد فوجىء بالثانى فى طريقه، فلم يملك إلا أن يصافحه مصافحة شكلية، لا أكثر ولا أقل! أقول ذلك لأن وجود رغبة من النوع الذى أشار إليه المتحدث الرسمى لخارجيتنا، يقتضى بالضرورة وجود مؤشرات عليها، ولو بنسبة ما..لا أن تكون المؤشرات التى تأتى بعدها مباشرة على العكس تماماً! ذلك أنه لم تمض أربع وعشرون ساعة على اللقاء بين الوزيرين، حتى كانت تركيا تعلن عن افتتاح جامعة فى أنقرة للطلاب الإخوان المفصولين من الجامعات المصرية، فيما بعد الثورة !..فإذا كانت تركيا تعرف، وغيرها يعرف أن هؤلاء الطلاب الذين افتتحت حكومة أردوغان لهم جامعة، لم يتم فصلهم لمجرد أنهم إخوان، وإنما لأنهم إما مارسوا عنفاً، وإما حرضوا عليه، فهذا يعنى بشكل من الأشكال أن أردوغان يشجع الطلاب فى الجامعات المصرية على العنف، أو على التحريض عليه، ويعنى أيضاً أنه يرسل إشارة إلى كل طالب من نوع الطلاب المفصولين، بأنه، أى الطالب من هذه النوعية، إذا ارتكب عنفاً، أو حرض عليه، ثم فُصل، فمكانه محفوظ فى الجامعة التركية العجيبة، والفريدة من نوعها حقاً ! إنها فريدة من نوعها لأن هذه ربما تكون المرة الأولى، التى نجد فيها أنفسنا أمام جامعة لا يلتحق بها إلا المفصولون من الطلاب !..ولابد أن لك أن تتصور شكل، ثم منظر، جامعة قامت فى الأساس لهذا الغرض الجديد، الذى لم يحدث أن قامت جامعة مماثلة من أجله من قبل!..فكأنك والحال هكذا أمام مؤسسة عقابية، لا أمام جامعة بالمعنى المفهوم للجامعات!
لست بالطبع مع فصل أى طالب من جامعته، أو من مدرسته، لمجرد أنه إخوانى، فالطالب الإخوانى مثله مثل أى طالب مادام ملتزماً بالقانون الذى يحكم
الدراسة فى الجامعة، ولا أظن أن طالباً ممن جرى افتتاح تلك الجامعة من
أجلهم، قد تم فصله لأنه إخوانى، وفقط، فما أكثر الطلاب الإخوان فى
الجامعات الذين ينتظمون فى دراستهم دون مشاكل، لأنهم يعرفون أن للجامعة قانوناً يحكم الدراسة فيها، ولأنهم يفهمون أن للدراسة فى الجامعة أصولاً لا بديل عن مراعاتها، ولا عن الإلتزام بها!
إن افتتاح جامعة كهذه فى أنقرة يقول، إن كل ما قيل من قبل عن وجود فرصة لأن تكون العلاقة أفضل، بينها وبين القاهرة، كلام بلا أى أساس، وأن علينا أن نتوقف عن الرهانات الخاسرة على هذا الموضوع، وأن نعتقد فيما يعتقده الأوروبيون فى علاقة الأتراك بهم فى المستقبل !..فأردوغان لا يمل من طرق باب الاتحاد الأوروبى أملاً فى أن تكون بلاده عضواً فيه ذات يوم، وفى كل مرة يطرق فيها الباب يقال له بلطف إن الوقت لم يأت بعد، ولما زهق الأوروبيون من طرقه ومن إلحاحه، قالها واحد من مسئولى الاتحاد دون مواربة..قال: لن يحدث ذلك فى وجود أردوغان فى الحكم !..وكذلك الحال بالنسبة لنا بالضبط، فى ملف العلاقات الحالية بيننا وبين تركيا!