نصف الدنيا
فاطمة ناعوت
كيف نرسمُ شيئًا يطير؟
الشعرُ

يحبُّ الحياةَ

ويحبُّ الناسَ.

تجده في عين طفلٍ

يركضُ بفرح وراء فراشة..



سألتني حبّةُ قمحٍ: في أيّ حقيبة من حقائبك تحملين الوطن؟

أجبتُ: لا أحمل وطني في أية حقيبة، بل في قلبي. أجولُ به أينما جُلتُ وما شاء لي التجوال، ومتى هدّني التعبُ؛ أُخرجه من صدري وأبسطه أمام عيني فوق المدى الواسع كما سجادة فارسية وثيرة، ثم أنامُ عليه لا ألتحفُ إلا النجوم. والسماء تحرسُ أبناءها متى ناموا وحيثما أغمضوا عيونَهم.

***

الرصاصةُ تخترق الرأسَ. تشطرُه. ولكنْ، عبر ثقبِ الرصاص في الدماغ يتسلّلُ النورُ للعينين، فنرى بجلاء ما كان مُظللا تحت سرابيل الضوء الخافت. شكرًا للرصاصِ الطيب الذي يقوّي أبصارَنا.

***

لن أرسمَ عصفورًا

العصفورُ صعبٌ

لأن ريشَه ملوّن

ولأنه حُرٌّ

ولأنه يطيـــــر.

....

لا أعرفُ أن أرسمَ شيئًا يطير

كيف نرسمُ شيئًا يطير؟!

ريشةُ الله

وحدها

تقدر.

***

أرحمُ ما في موت الأمهات؛ أنهن لن يَمُتن مرةً أخرى. إن يبرأ الإنسانُ من خوفه من فقد أمه، لأنه فقدها بالفعل. أن يتخلص من رعبه من طيرانها، لأن لا أحدَ يطيرُ مرتين.

***

أحزنُ على من يكرهون. لا أحزنُ منهم بل عليهم. يحرمون أنفسهم من شيء جميل وعظيم. ووحدهم من يخسرون.

***

هل من يسمحون لأنفسهم بأن يفكّروا خارج الصندوق الحديدي ويتساءلوا، أيًّا ما كان التفكير ومهما كان السؤال، هل هم أطفال لا جُناح عليهم مثل أولئك الأطفال الذين تجاسروا وحاوروا اللهَ، أم مجانين لا تصحّ محاسبتهم لفُقدانهم الأهلية، أم كفّار، يستحقون الملاحقة بالقضايا والزجّ بهم في غياهب السجون، حتى يتوبَ الكفّارُ عن كفرهم وراء القضبان، أو ينفضوا عنهم جراثيم جنونهم، ويتخصلوا من بقايا طفولتهم التي سمحت لهم بالتفكير، ثم السؤال؟

***

لا قيامة لمصر من كبوتها الإرهابية الراهنة إلا بانتهاج النهج الناصع الذي انتهجته دولةُ الإمارات العربية وهي تصنع حضارتها. ذلك النهج الذي يقوم على محورين: إصلاح التعليم، سنُّ قانون مشدّد لتجريم التمييز والعنصرية. والأهم من سنّ القانون هو تطبيقه بحسم وردع. لأن الدستور المصري ينصُّ على تجريم العنصرية والطائفية، إلا أن الدولة تغضّ الطرف عن خطابات الشحن الطائفي في المدارس والجامعات وفوق منابر المساجد، وعلى شاشات الفضائيات! وتسمح للمتطرفين بأن يلاحقوا المثقفين بقضايا الحِسبة حتى يُسجنوا. الدولة المصرية للأسف مشغولة بمحاربة الإرهابيين، ولكنها لا تعبأ بمكافحة الإرهاب ذاته. تلاحق أذرعَ أخطبوط الإرهاب، وتبترها، ثم تغضُّ الطرفَ عن «رأسه» الذي يُنبت، مع كل نهار جديد، ألف ذراع.

***

كبرتُ، للأسف! وبرحتْ تلك الأسئلة «الكبرى» رأسي. حلّت محلها أسئلةٌ أكثرُ قتامةً وعبوسا وأقلُّ شعريةً وألوانًا. ولم أتنازل عن الإجابات أبدا. ولم أصل للإجابات أبدا. حتى اكتشفت الطريق الفذ للميلاد والموت كل يوم: الكتابة. في الشعر ليس فقط ستقدر أن تشهد لحظة ميلادك وموتك كثيرا جدا، بل تقدر أن تجعل من نفسك بشرا كثيرين. فأنا اليوم زنجية وغدا عمياء وبعد غد «عبيط القرية» وإسكافيّ ودلاي لاما وغاندي وجان دارك وفلورانس نايت إنجل، وهتلر أيضا. أنا اليوم إلهة وغدا شيطان وبعد غدٍ نحلةٌ ودودة وشرنقةُ وشجرةٌ وعمود إنارة. كل هؤلاء وأكثر أشهد ميلادَهم، ثم أقتلهم، فأشهد موتَهم. ألوّن حياتهم وملابسهم كما يحلو لي. أحاكمهم: أُثيبهم، أعاقبهم، أتوّجهم بأكاليل الغار أو الشوك أو أشنقهم حتى. ومحدش منهم يقدر يقول لي «بِمْ». أنا حرة محدش شريكي أعمل زي ما أنا عاوزة في صفحة ورقتي البيضاء! ألوّنها، أمزّقها، أعملها مراكبَ وطياراتٍ وعرائسَ وبشرا.

كل هذا طبعا بفرض أن لا شيخَ سلفيًّا من قتلة القلم وسافكي الحبر سيطلع عليّ ليحاكم خيالي ويقول لي هذا حرام هذا كفر هذه زندقة! ثم يقيم عليّ دعوى حِسْبة لأرسمَ بقية خيالاتي وراء قضبان قفص!

***

بناء مسرح لا يقل أهمية عن بناء مدرسة. فالمدرسة تعلّم طفلا، والمسرح مدرسة دائمة لتعليم الكبار ما فاتهم أن يتعلّموه في المدارس.

***

اللهم نشكرك على منحة العقل الذي يفكر ويتساءل، ونشكرك لأنك أرحم بنا من العبيد الذين رفضوا هديتك فقتلوا عقولهم.

***

في لحظات إحباطكم لا تهربوا إلى النوم أو الطعام، بل الجأوا إلى الله، فعنده وحده مفاتيحُ شفائنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف