على القماش
في وداع نعمات أحمد فؤاد !
قليل من العلماء والمثقفين الذين يضعوا فى نصب أعينهم أعلاء الوطن فوق كل الآغراءات وفى مقدمتها أرفع المناصب ، وفى مقدمة هؤلاء الدكتور نعمات أحمد فؤاد ( التى تشرفت بمعرفتها عن قرب وامتدت صداقتنا لسنوات طويلة ) . لقد وضعت د . نعمات فى مقدمة دفاعها عن المقدسات ثلاثة : الدين . النيل . الاهرامات .. وكم دافعت وهى تقول لا يعنينى الآشخاص ، فأنا أكتب عن مصر ولمصر ، وليس بينى وبين أحد خلاف شخصى ، وبعض ممن أشير اليهم لم أقابلهم ، بل ولم يكن يوما يعنينى ذكرهم لولا مقتضيات الاحداث ووجوب التوثيق فى سبيل تحديد العبرة ، وتحديد الحساب حتى لا تتكرر الماّساة ، وتخرب الآجيال ولم تنكر د . نعمات للايجابيات اذا حدثت ، وان كانت ترى ان حملة القمائم والبخور يقوموا بهذا ، الى حد أنهم يشوهوا أى انجاز بمدحهم الهزيل ، وان اختارت التركيز على السلبيات ، فالتسجيل هنا أختيار شائك يتنجبه الكثيرون ايثارا للسلامة ، ان لم يكن اكتسابا للرضا قد لا يعرف بعض ابناء هذا الجيل كثير من المعارك التى خاضتها الاديبة والوطنية الكبيرة د .نعمات فؤاد باسلوبها الرائع ، دون أى أعتبار لحاكم أو سلطان أو سلطات .. ولعل بعض عناوين هذه المعارك تفصح عن حجمها وقيمتها ، وكل منها يحتاج الى تفاصيل أكبر من مجرد مقال ، بل تحتاج الى كتب ، وكم أرجو من أى جهة تفكر فى تقديم القدوة للاجيال سواء كانت رسمية أو شعبية مثل كثير من دور الثقافة والابداع أن تقوم بجمع هذه المواقف فى كتاب .. ومنها الغاء تحويل هضبة الاهرامات ( المشروع الآول عام 1977 ) الى منتجعات سياحية ، حيث تصدت للمشروع الذى جاء فى سياق سياسة الانفتاح " سداح مداح " بمنح شركة اجنبية مشبوهة تسمى " جنوب الباسفيك " هضبة الاهرام لاقامة منتجعات و ملاه وغيرها ، وحاولت الحكومة اّنذاك اثناءها عن خوض المعركة ، وجاءها سيد مرعى والذى كان على قمة اتخاذ القرار السلطوى وعرض عليها وزارة الثقافة . فردت بثقة وحسم : أقعد على الرصيف أحسن " .. وواصلت دفاعها عن هضبة الاهرام ليس فى مصر فحسب ، بل ذهبت الى باريس لتتصدى للجوء الشركة بالدعوى هناك ، وأستمعت المحكمة فى باريس الى دفاع مثقفة وطنية عن اّثار وحضارة بلدها فأهتز كل من فى القاعة اجلالا واحتراما لهذه السيدة الوطنية ونفس الآمر عندما عاد فاروق حسنى وزير الثقافة بمشروع مشابه باقامة بوتيكات ومدرجات وحدائق وملاه امام الاهرامات بحجة الترويج للسياحة وزيادة دخل اهالى نزلة السمان ! ، وما ان كشف العالم الوطنى الكبير د . على رضوان عن المشروع فور اعلان الوزير عنه وتصدى له فى حضوره ، حتى أمسكت د . نعمات بالراية وخاضت المعركة مع العلماء ، وأقام مهندس المشروع دعوى ضدها الا انها كسبتها ، وأستمرت مع العلماء والمثقفين حتى أرغمت الوزير والسلطات على الغاء المشروع كما تصدت لتشويه قبة الحسين .. ودافعت عن الآثرى الوطنى الكبير أحمد قدرى وفى مجال الاثار ايضا تمكنت مع كوكبة من العلماء والمثقفين – شرفت أن أكون بينهم – فى الغاء العديد من المشروعات التجارية للوزير على حساب تدمير الاثار ومنها اقامة فندق داخل القلعة وتحويل عدد من المعابد الاثرية الى " موتيلات "، وكذلك الغاء العديد من معارض الاثار التى كانت تحصل عليها شركات تجارية او شركات دعاية واعلان ، و تهين اّثارنا وتاريخنا ومنها عرض اثار مصر فى " سوبر ماركت " وبجوار عرض للاحذية مثلما حدث فى اليابان ! وفى مجال الدفاع عن صحة الانسان المصرى تصدت للمعاهدة التى وقعتها الحكومة المصرية مع النمسا ( عام 1981 ) لدفن النفايات النووية فى مصر .. وفضحت محاولة تمرير الكارثة بمنشيتات كاذبة " مصر تدخل عصر الذرة " وخاضت المعركة ومعها العالم الكبير الدكتور حامد ربيع ، وتنبه الرأى العام ، وتم الغاء المعاهدة وكانت ضمن الكوكبة الوطنية التى تصدت لما أعلنه السادات عن توصيل الماء لاسرائيل ، كما تصدت لتشويه الجبال المقدسة بسيناء بتلوينها تحت ستار مجمع الآديان كما دافعت عن أم كلثوم وكتبت عن انتقام جيهان السادات منها بالاستيلاء على مشروع الوفاء والآمل التى أسسته كوكب الشرق لعلاج المعوقين من أبطال حرب أكتوبر، ونسبها لنفسها !! ، كما فضحت أيضا المخصصات والقصور التى شغلتها أسرة السادات كما تصدت لمحاولة نقل متحف محمد محمود خليل بحجة " دواعى أمنية " لوقوعه بالقرب من بيت السادات .. وكشفت ما حدث فيه من سرقات للمقتنيات وفى مقدمتها لوحة زهرة الخشخاش وتصدت لقرار السادات بالغاء الرقابة الادارية بعد كشفها لانحرافات للكبار .. وتصدت لمصادرة كتاب " الفتوحات المكية لابن عربى " بقرار لمجلس الشعب ، بينما معظم اعضاء المجلس لم يعرفوا باسم الكتاب ، فضلا عن كثير منهم لا يحملون سوى شهادة " محو الآمية " بطرق معروفة ! . وتصدت لمحاولة رئيس البنك العربى الافريقى " ابراهيم الابراهيمى " عام 1987 تخريب الاقتصاد برشوة كبار المسئولين وتعيين ابنهائهم بمرتبات تفوق الخيال ، وخاضت معركتها على صفحات جريدة " الشعب " وفى هذا يذكر للمجاهد ابراهيم شكرى رفض كل عروض واغراءات رئيس البنك لايقاف الحملة ، رغم ما كانت تتعرض له الجريدة من ازمة مالية هذا قليل من كثير ، وعناوين من موضوعات خاضتها د . نعمات فؤاد ، وغيرها وغيرها من المعارك لقد شرفت بمعرفة د . نعمات فؤاد عن قرب ، ولى معها مواقف أعتز بها ، أذكر منها :أنه عندما حاول فاروق حسنى وزير الثقافة ايقاف هجومها لقرارته ومشروعاته التى تشوه وتدمر الاثار وتجير على مخصصاتها المالية ، فادعى انها مغرضه لان لها أرض فى حيز المنطقة الآثرية .. وعلمت ان الوزير بصدد استصدار قرار بهذا المعنى ، وتم تشكيل لجنة برئاسة رئيس وحدة الآراضى و التعديات والذى كان فى اخريوم عمل له قبل المعاش ، ومعه عدد من مرؤسيه ، وذهبوا لمنطقة التى تقيم بها د . نعمات بالمنصورية ، ولكنهم وجدوا انها خارج نطاق الاثار تماما .. وفى الوقت نفسه مطلوب منهم عمل مذكرة بتعدى مسكنها " منزل ومزرعة " على ألآثار .. فجلسوا بالسيارة لاعداد المحضر .. وبعد اعداد مسودتها لكتابتها رسميا صباح اليوم التالى ، قام أحدهم – وهو من مصادرى -بمقابلتى على الفور واعطائى تسجيل لما دار من حديث ، ونشرته وقتها بالنص ، وهو ما أحدث ضجة فى الرأى العام ، وتم ايقاف القرار المزمع صدوره ! ومن المواقف أيضا عندما تم اغفال اسمها وانها مصدر رئيسى لمعظم احداث مسلسل ام كلثوم أعدت كتاب بعنوان " أم كلثوم " لبيان الحقيقة ، وشرفت باالحصول عليه باهداء خاص .. وفى هذا المقام أذكر اننى حصلت على اهداء منها للعديد من الكتب والمولفات الخاصة بها .. كما شرفت بترتيب وتنسيق مكتبتها ومساحاتها ثمانى غرف تضم أمهات الكتب وأسطوانات مصرية وأجنبية نادرة ، نقلتها من شقتها بالزمالك الى مكتبة اقامتها بمزرعتها فى المنصورية ، فقمنا بترتيها وكان معنا الاخت والزميلة الصحفية هدى مكاوى فضلا عن د . نعمات وأبنتها ، وبعدها أفتتحها المستشار محمود أبو الليل – رحمه الله – الذى كان محافظا للجيزة وقتذاك واثر تعرضها لبعض المتاعب الصحية قررت ومعى صديقى العزيز الآثرى أحمد دسوقى – مدير عام المتاحف التاريخية الآسبق - عمل حفل تكريم لها ، وعندما قمنا بالاعلان عن التكريم رحب بنا د . عبد العزيز حجازى - رحمه الله – بان نقيم الحفل بمنزله .. وحضر معنا زوجها الاستاذ محمد طاهر، و كوكبة من المثقفين من مختلف التوجهات أذكر منهم م. ابراهيم شكرى ود . على رضوان ود . عبد الحميد زايد و د. على السمان و د . مصطفى الفقى ود . حجاجى ابراهيم و د . محمد العلاوى ود . محسن عبد الخالق ود . صالح لمعى ود . درية عونى و د . فياض ود . حمدى السيد واللواء سمير عيد و الاساتذه عبد الحليم رمضان وهصام صفى الدين وفاروق هاشم وحسن المراغى وقدرى كامل وممدوح عباس والكتاب والادباء سكينة فؤاد وعبد الرحمن الابنودى وجمال الغيطانى لقد كان كل وطنى يعتز بها وبثقافتها ووطنيتها ودفاعها عن الثوابت الوطنية ، ولذا كانت معظم الصحف تفرد لمقالتها ، وفى مقدمة الصحف القومية الاهرام والآخبار ، وفى مقدمة الصحف الحزبية الشعب و والوفد .. وأحتقت بها الجامعة وأطلقت عليها " أم العرب " من خلال الجائزة التى منحتها لها . أخيرا أختار من كتباتها . قولها " ليس الرجال وحدهم الذين يفدونك يا حبيبة ، ولكن النساء مع الرجال ، فأنت أمنا جميعا بلا تفريق .. كان يتهددنى الحاضر والمجهول ، ولكن مصر الولود كانت تعلن فى ضميرى ، اصرارها .. وحسبى أنى مصرية التزمت بقضاياها مع الاحرار .. وحسبى أنى عبرت عن طبيعتها فى الاصرار على الحق .. وحسبى أنى أعلنت ارادتها فى رفض الباطل .. وحسبى أنى دافعت عن كرامتها حين ظنوا صبرها ضعفا ، وحين حسبوا جلدها استسلاما.. حسبى أنى أديت بعض حقها ، وما أجله . وما أجلها "