طارق عبد الجابر
إن البقر تشابه علينا إذا ما اقترن بالجهل والجهالة
يقول مؤسس جريدة" نيويورك" تايمز آرثر سالزبورجر عندما تقوم بإعطاء إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه. ربما تجعله مُعَرَّضاً للخطأ في رأيه لبعض الوقت ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده إلى الأبد. لكن أن تحجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان أو تقدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف فإنها تدمر كل جهاز تفكيره وتنزل به إلى ما دون مستوى الإنسان" أردت أن أشير إلى هذه المعلومة قبل أن ادخل في صلب الموضوع الذي أريد أن أشير إليه في هذا المقال خاصة أن هناك من سيحاول بعض الإطلاع على هذا الموضوع أن يدخلنا إلى منعطف يطلق علية "نظرية المؤامرة "لأن للأسف من خطايا الحكومات العربية والإسلامية في كثير من الأحيان عندما يصدرون لنا إخفاقاتهم وأخطائهم بالتهويل من (نظرية المؤامرة) التي باتت لدى كثير من الحكومات وخاصة أنصارهم كابوساً مخيفاً، أو شماعة يلقون عليها كافَّة الأعذار التي يرون أنَّها وحدها تحول بينهم وبين ما يتطلَّعون للتنمية والتجديد والتنوير بمفاهيمها ، فيلجئون لاتهام الغرب بأنَّهم السبب الحقيقي لعدم تقدمهم!!!! تلك هي الفكرة المحورية لكل نظريات المؤامرة المتعددة والكثيرة، والتي أصبحت تلقى رواجا غير مسبوق في العقود الأخيرة، بعد أن ازدادت الحياة البشرية تعقيدا وتغيرا واضطرابا، وأصبحت الأحداث المتداخلة والمتسارعة عسيرة الفهم، مما وفر أرضية خصبة لانتشار هذا النمط من التفكير، الذي أصبح يخترق كل الطبقات الاجتماعية المتعلمة وغير المتعلمة ولاسيما في مصر بالخصوص، ما جعل كل القوى السياسية بمختلف توجهاتها تستخدم نظريات المؤامرة للنيل من الخصوم، كما أنها تبدو تجارة رابحة في سوق السينما والكتب والإعلام. قد يأتي هذا التبرير أحيانا من طبيعة النظريات الموجودة لدى كثير من الناس متدينين وغير متدينين، فبعضهم يعتقد أنَّ كل شر أتى لهذه الأمة فهو بسبب الكفار والغربيين تحديداً، وكل خطأ يقع في بلادنا من نواح سياسيَّة أو اقتصادية فهو بسبب عدونا، ويتناسون أنَّ هنالك الكثير من الأخطاء التي صنعناها بأيدينا ولكنَّنا عنها غافلون وللأسف البعض يؤمن بنظرية المؤامرة إيمان ساذج بل وغبي "آسف على التعبير" أحيانا بنظرية المؤامرة، فمثلا لو عرضت عليهم مشروع ينهض بالأمة علميا، يردون عليك بأن أمريكا وإسرائيل التي تحركها لن تقبلا بذلك، و أننا سنُقتل أو يرسلوننا وراء الشمس، أو عندما تتحدث عن الربيع العربي يقول لك أنه مدبّر و أن الغرب وراءه و أنهم سيدمروننا من الخطأ التفكير بهذه الطريقة،!!! فإن كان هناك مؤامرة، فمن هم أول المتآمرين ؟ هل هي إسرائيل، أو أمريكا، أم فرنسا، تركيا ؟ لا، الحقيقة أن أول متآمر هو نحن، بوقوفنا و صمتنا و عدم مبادرتنا بشئ، هناك للأسف من المؤمنين إيماناً أعمى بنظرية المؤامرة يبدون لي مثل من يريد أن نعيش فى يخر الظلمات ؟؟ اسمحوا لي أن اضرب لكم مثال واحد على ما أقول !!! مليون بقرة هولندية تجعل من هولندا واحدة من أكبر منتجي الجبن والألبان في العالم.. بينما يوجد في السودان 30 مليون بقرة، و40 مليون رأس من الضأن والسودانيون يكادون يموتون من الجوع.. وفي موريتانيا مليون و 500 ألف رأس من البقر... 16.4 مليون رأس من الضأن.. و 13 مليون رأس من الغنم... في المقابل إنفاق العرب السنوي على استيراد الألبان من الدول الغربية 7 مليار دولار، من أصل 60 مليار إنفاق على استيراد المواد الغذائية بشكل عام. المشكلة ليست في البقرة الهولندية ولا في السودانية ولا في الغنم الموريتانية.. ولكن في العقل البقري الذي يسير اقتصاد العرب منذ عشرات السنين.. والحقيقة إن البقر تشابه علينا مثل العقل العربي الذي لا ينتج إلا الجدال !! نعم هي نظرية مؤامرة يا سادة ولكن نحن كعرب نأخذ كل شيء ونضخم منه تضخيم الأشياء العظيمة ولكن أين نحن من هذه المؤامرة نحن عندما نكون متيقنين بان هناك مؤامرة ضدنا يجب أن ننهض ننفض التراب عن كاهلنا وعن رأسنا. هل تعلمون أنه عندما دخلت دول شرق آسيا في الحرب العالمية الثانية وانهارت البنية التحتية تدميرا شاملا وأصبحت هناك مجاعة وبطالة وفقرا شديدا لم تسكت هذه الدول على هذه وأرسلت بعثات إلى الخارج واعتمدوا على مواردهم الذاتية وعلى مكافحة المواطنين لأجل بلادهم حتى وصلوا إلى مرحلة النمور الآسيوية ودول العالم الثاني وأصبحت كل من الصين واليابان والهند وماليزيا وسنغافورة محط أنظار العالم.. نأسف لحالنا فعلا نحن العرب نقف مكتوفي الأيدي نشاهد جميع حضارات العالم وننبهر بها ونقف أمام حضاراتنا نأخذ عزاءنا بها وكأنها ماتت واندثرت في غياهب الزمان وانطمست معالمهم في دياجير الظلام واللاوعى في زمن كانت فيه حضاراتنا هي منبع كل العلوم وكانت الدنيا كلها لغتها الرسمية هي اللغة العربية لغة القرآن الكريم. المؤامرة، نظرية ضبابية سهلة القولبة والعجن والتشكيل، لهذا تراها إجابة سهلة يمكن لصاحبها أن يفسر لك كل شيء في هذا العالم دون أن يضطر لتقديم أية أدلة علمية أو دراسات أو تفسيرات. وهذا ما حدث بالضبط في مصر عام 1968 اعتبرت الرقابة الفنية في مصر أن فيلم "المتمردون" للمخرج توفيق صالح مؤامرة على مصر مع أن من يرى قصة الفيلم سيجدها أبعد من ذلك بكثير ولكن ماذا نقول !!عندما نجد الرقابة تأخذ زمام المبادرة عن طريقة كلمة نظرية المؤامرة التي كانت سائدة في ذلك الزمن ومازالت إلى الآن للأسف لكن دعونا نرى ماذا كان يحمل فيلم المتمردون من مؤامرات بطل الفيلم (شكري سرحان) إلى إحدى المصحات وسط الصحراء ويجد الصراع بين الفقر والثراء قائم حتى في العلاج والصحراء الجرداء وأن عدد من العاملين على المصحة منحازون للأثرياء أما مرضى القسم المجاني فيعانون العطش والجوع والمرض ونجد أن الشمس التي ينظر إليها الطفل نبيل الذي يفتك به العطش رمزًا للأمل وهو ينتظر شربة ماء، وأن الحلم هو الشفاء وشربة ماء، بينما أن خزان المياه الذي تمرد من أجله المرضى هو نفسه ورقة اليانصيب في فيلم "درب المهابيل" هو رمز السراب الذي ظن المرضى أنه طريق الخلاص فتمردوا للسيطرة عليه وعلى المصحة وتنصيب شكري سرحان الطبيب الطيب الذي رفض ما يتعرضون له من قهر فحاول الظالمون قهره زعيمًا للمصحة. لكن الفوضى تنتشر ومدير المصحة يستعين بالأمن وينتصر لظلمه وينتهي الفيلم بالسيطرة على المتظاهرين وطرد بعضهم خارج المصحة ليكون لسان حال شكري سرحان في الفيلم "ويبقى الأمل": ده اللي حصل لكن يومًا ما كل مصحة في البلد هتكون في إيدينا هنتعب كتير لكن هنستفيد في الآخر لازم نتعلم من التجربة وساعتها هكون دكتور مش مريض بينما يقول كهل عجوز من مرضى المصحة (شفيق نور الدين) خلال أحداث الفيلم " اللي عمل السكينة ماجراش ليه حاجة إنما اللي مسكها إيده اتقطعت ". وبمرور الوقت يدرك الرقيب أن المخرج يعتمد إلى المؤامرة على البلاد ويعتمد على الرمزية في أفلامه ، وتتدخل وزارة الداخلية وتطلب منه أن يخرج فيلمًا عن خدمة الشرطة للشعب، وموظفي الرقابة يسألون إلى ماذا ترمز الشمس وما دلالة السعي وراء الماء!! فيجيب "صالح" :الشمس شمس والماء ماء!،". قدم المخرج توفيق أقسى نقد وجهه للنظام الثوري في مصر, وشكك في صلاحية القيادة السياسية للشعب, وعجزها عن التعبير عن مصالح الشعب, وبعدها عن الجمهور الذي ساندها ودعمها واعتبرها قيادة مستبدة, تبحث عن مصالحها, وأشار توفيق إلى افتقاد رجال الثورة لرؤية ثورية منهجية. تعرض الفيلم للتمزيق من قبل الرقابة, بحذف ما يقرب من خمس وعشرين دقيقة من النسخة الأصلية, وتأجيل عرضه, وإجبار مخرجه على تصوير نهاية جديدة, الرقابة اعتبرت هذا الفيلم مؤامرة على النظام لأنة وتضمّن إسقاطات على النظام في ذلك الوقت. إذ يتمرّد المرضى على الفساد السائد، ويستولون على المصحة ويطردون المدير ويختارون الدكتور عزيز زعيماً لهم، ولكنهم يعجزون عن إدارتها، فتقوم السلطات بالقضاء على التمرد ولكن الأمل في التغيير يظل باقياً فيلم "المتمردون" لتوفيق صالح, بدأ إنتاجه عام 1966م, وعرض عام 1968 وهو ما حدث مع فيلم "لاشين" الذي أنتج قبل هذا الفيلم بثلاثين عامًا, باعتبار أن الأحداث تبشر بالأمل القادم خلاصة القول : أورد قصة فيها طرافة ولكن أيضاً تنم عن سرعة البديهة، تقول إن أستاذاً في إحدى الجامعات دخل على القاعة الخطأ، فقال له الطلاب، يا دكتور محاضرتك في القاعة الثانية، فرد عليهم: آسف، واستشهد بقوله تعالى من سورة البقرة: «إن البقر تشابه علينا»، فقام أحد الطلاب، وقال رداً عليه أيضاً من القرآن الكريم: «كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم». وهذا الرد ينم عن ذكاء من هذا الطالب، فهو استشهد بنفس المقطع القرآني، وأيضاً ينم عن ثقافة وسرعة بديهة، مع العلم أن ذلك الأستاذ أورد نصاً قرآنياً في غير سياقه أو ليس في موضعه.. وما أخلص له ، الأيمان طول الوقت بنظرية المؤامرة ما هى إلا المفسدة التي تعمي البصيرة وتلغي التفكير وتجعلنا نقول إن البقر تشابه علينا إذا ما اقترن بالجهل والجهالة