عبد الرحمن فهمى
بمناسبة قمة السيسي - البشير
طول عمرنا كانت علاقة مصر بالسودان علاقة من نوع خاص جدا.. علاقة شقيقين أو قل توأمين.. دولتانا لهما ملك واحد وعلم واحد ونشيد واحد ولكن لكل منهما وزارة وسيادة تربطهما مصالح مشتركة بحيث لا غني لأحدهما عن الآخر.. الخير كله يأتي من الجنوب.. من السودان ومظاهر الدولة الحديثة تزحف نحو الجنوب نبني المدارس والمصالح والوزارات والفنادق والمساجد لا أنسي في حياتي مسجد الملك فاروق حينما أقمنا أول بطولة للأمم الافريقية في الخرطوم عام 1957 وصلينا الجمعة في مسجد أبيض ضخم حوله أرض فضاء شاسعة مغطاة بالسجاد والميكرفونات تملأ المكان لسماع الخطبة والمتابعة.. كان المنظر من فوق السلم العالي الذي يطل علي الميدان منظرا رائعا.. الجلباب الأبيض الشاهق فوق الجلد الأسود علي مدي البصر.. عام 1957 سألت اخواني اللاعبين الذين صلوا معي: هل مازالت لافتة كلمتي الملك فاروق محفورة علي باب المسجد بعد خمس سنوات من الثورة فقالوا لي جميعا في نفس واحد.. نعم.
***
اذكر حينما سافر مصطفي النحاس لابرام معاهدة 1936 في لندن.. لم يتفاءل أحد بهذه السفرية بعد ان فشل سعد زغلول وعدلي ومحمد محمود وأخيرا الداهية إسماعيل صدقي ولكن النحاس درس كل ما حدث من قبل فاتخذ سياسة قلده فيها أنور السادات بعد أربعين عاما!! قبل مصطفي النحاس كل شروط انجلترا.. نريد استمرار تصدير القمح والقطن والسكر مجانا.. حاضر.. نريد بقاء الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختالطة.. حاضر وهنا ثارت مصر كلها ولم يعبأ بهم مصطفي النحاس.. نريد ان تقطع مصر العلاقات مع السودان.. هنا وقف مصطفي النحاس وقرر قطع المفاوضات والعودة إلي مصر كما فعل السادات في كامب ديفيد.. قال مصطفي النحاس للصحف وفي الإذاعة قولته المشهورة: تقطع يدي ولا افصل السودان عن مصر.
هكذا كانت علاقة مصر بالسودان وتنازل الانجليز عن هذا الطلب وتم توقيع المعاهدة لرفع الحماية عن مصر وهوجم مصطفي النحاس من الجميع بما فيهم الوفديون.. وتمر الأيام وفي عام 1937 بعد عام واحد من المعاهدة تم الغاء الامتيازات الأجنبية في معاهدة مونتريه بسويسرا خلال المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان وكان هذا هو سبب موافقة النحاس علي شرط بقاء الامتيازات الأجنبية التي كان الانجليزي خلالها يقتل أي مصري فتحكم عليه المحكمة المختلطة بعشرة جنيهات غرامة.. يطرد المصري من شقة ويأخذ اثاثه والحكم عشرة جنيهات غرامة.
وفي بند توريد القمح والقطن والسكر.. كانت الكميات تتناقص كل عام حتي وصل بعد عامين إلي توريد نصف الكمية وطالبت مصر بدفع النصف المصادر ثم بالتدريج دفعوا ثمن كل الكمية ولم يستطيعوا السداد بالكامل فكانت حكاية الأرصدة الاسترلينية.. بريطانيا العظمي مدينة لمصر وهكذا نجح مصطفي النحاس في رفع الحماية عن مصر دون أي خسائر ودون أي تنازلات وخطا السادات نفس خطوات النحاس واستطاع ان يفوز بعودة سيناء ثلث مصر دون أي تنازلات أو خسائر.. كلها كانت وعودا لم تتحقق.
***
عام 1956 حينما طلب عبدالعزيز عبدالله سالم من الفيفا السماح بإنشاء اتحاد افريقي وسخر منه رئيس الفيفا وسأله: قل لي كم دولة في افريقيا تلعب كرة قدم.. شعر عبدالعزيز عبدالله سالم بأنه سؤال تهكمي لا يليق بمصر.. فقال بلهجته الانجليزية فتعليمه كان في لندن قال: الآن ثلاث دول وغدا ثلاثون ومادام الرئيس لا يحترم الأعضاء فمصر منسحبة من الفيفا ولم أوراقه فتبعه عبدالحليم محمد رئيس اتحاد السودان ولم أوراقه وكادا يخرجان لولا ان لحق بهما سكرتير عام الفيفا واعتذر لهما وتم انشاء الاتحاد فقرر عبدالعزيز عبدالله سالم ان تكون أول بطولة في الخرطوم ولما انتهت مدته في الرئاسة رشح عبدالحليم محمد رئيسا.. هكذا كانت علاقتنا بالسودان زمان.