البديل
عبد الفتاح ماضى
الترحم على مجرم حرب والمشاركة في جنازته
يعد شيمون بيريز، عند الشعوب الحية وعند الكثير من الكتاب والسياسين المنصفين، أحد أكبر مجرمي الحرب في تاريخ البشرية وليس في القرن العشرين فقط، ومع هذا يترحم عليه بعض من حكامنا العرب ويستعد بعضهم الآخر للمشاركة في جنازته.

ولذا وجب علينا تذكير الأجيال العربية الجديدة وأكاديمياتنا العسكرية والأمنية وأقسام العلوم السياسية في جامعاتنا ومراكز بحوثنا بمن هو بيريز هذا.

*****

أولا: بيريز كان قاتلا ومجرم حرب من الدرجة الأولى مثله مثل كل قادة الكيان الإسرائيلي الغاصب منذ نشأته. ولولا حماية الغرب لهؤلاء لقُدّموا جميعا أمام محاكم الجنايات ولتم تصفية النظام العنصري الكولونيالي الذي أقاموه عبر سياسات التطهير العرقي كما حدث مع نظيره في جنوب إفريقيا.

وللعلم أمريكا استخدمت الفيتو عشرات المرات منذ السبعينيات لحماية الإسرائيليين في أعقاب كل اعتداء أو مجزرة ضد الشعب الفلسطيني واللبناني في ظل انقسام الحكام العرب وتبعيتهم للخارج واهتمامهم بالكراسي على حساب المصالح الوطنية وأبجديات أمنهم القومي المشترك.

ثانيا: قبل 1948 كان بيريز عضوا في عصابات مسلحة اسمها الهاجاناه. وهذه كانت مسؤولة عن مهمة واحدة هي قتل العرب وتهجيرهم وسرقة أراضيهم وممتلكاتهم وتمهيد الأرض للاحتلال والاستيطان الصهيوني.

والهاجاناه هي العصابة التي ارتكبت عشرات المجازر في حق الشعب الفلسطيني قبل 1948 منها مجزرة دير ياسين التي راح ضحيتها أكثر من 300 إنسان في 9 أبريل 1948.

ومعظم الرعيل الأول من قادة الصهيونية كانوا أعضاءً في الهاجاناه وفي منظمة الأرجون وغيرهما من المنظمات الإرهابية. وقد تحولت تلك العصابات اليهودية (المسلحة من بريطانيا ومن الغرب عموما) بعد قيام الكيان الغاصب إلى جيش سمى “جيش الدفاع الإسرائيلي”!!

وهذا الجيش هو من يرتكب المذابح والمجازر في حق الأبرياء في فلسطين منذ قيامه وحتى اليوم، مثل كفر قاسم وأبوشوشه والطنطورة وقبية وقلقيلية وخان يونس والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي ومخيم جنين وعشرات المذابح في غزة في العقد الأخير وغيرها.

وهذا الجيش هو من قتل الأسرى المصريين في سيناء وارتكب مذبحة بحر البقر في مصر، وهو الذي يخترقها منذ صلح السادات بالجواسيس وبالمخدرات المدعومة.

وهذا الجيش هو من غزا لبنان عدة مرات وارتكب عشرات المجازر هناك في حانين ويارين وعيترون وبنت جبيل وراشيا والعباسية والخيام والأوزاعي والنبطية وصبرا وشاتيلا وسحمر وبنت العبد وقانا وغيرها، وهو من قصف تونس والسودان وسوريا.

أما قادة هذه العصابات (من أمثال شمعون بيريز ومناحيم بيغين وآريل شارون وإسحاق رابين وغيرهم) فقد تحولوا إلى سياسيين وشكلوا أحزابا سياسية لا تزال موجودة حتى اليوم.

ثالثا: بعد 1948 كان بيريز المسؤول الأول عن بناء مفاعل ديمونة النووي في النقب وتولى وزارة الدفاع عدة مرات وكان مهندس العلاقات العسكرية مع فرنسا وغيرها من الدول الغربية.

رابعا: منذ السبيعنيات والثمانينيات ظل بيريز من المسؤولين الرئيسيين عن الاستطيان وتعزيزه على الأراضي التي احتلت في نكسة 1967. والحكومات التي ترأسها مثلها مثل كل الحكومات الإسرائيلية الأخرى حافظت على تعزيز سياسة الاستيطان تلك على عكس ما يروج المطبعون العرب من أن بيريز كان رجل سلام.

خامسا: في التسعينيات كان بيريز مهندس عملية أوسلو التي حولت المقاومة الفلسطينية إلى “إرهاب” واستغلت سنوات طويلة لإلهاء الفلسطينيين وراء سراب (بعبارة المفكر إدوارد سعيد) لا يمكن تحقيقه هو “السلام” مع كيان عنصري غير قابل للسلام معه في الأساس (كما كتب المفكر عبدالوهاب المسيري مرارا)، بينما تم استغلال الوقت لتحقيق مصالح إسرائيلية تتناقض كليةً مع السلام.

وأهم هذه المصالح:

(1) تعزيز الاستيطان في كامل الأراضي التي احتلت عام 1967، وتعزيز التهويد في كامل أرض فلسطين التاريخية…

(2) الزج بالفلسطينيين في متاهات التنافس الانتخابي العقيم من جهة وفي التجارة والبيزينس من جهة أخرى وذلك على حساب المقاومة المشروعة التي صارت عمليات “تخريب” و”إرهاب”. لقد حوّل مسار أوسلو (بمساعدة أمريكا تحت إدارة بل كلينتون) الصراع إلى مجرد “نزاع على أراضٍ” بين طرفين هما الإسرائيلي والفلسطيني!! وبالتجاهل التام لأصل الصراع الذي هو احتلال واستيطان وقتل وتهجير واغتصاب الأرض والممتلكات…

(3) اسقاط المقاطعة العربية الاقتصادية للإسرائيليين، واستكمال اختراق الدول العربية مخابراتيا والتعاون معها أمنيا والتطبيع معها سياسيا، علنا وسرا…

(4) الاستمرار في جنى ثمرات السعي وراء “السلام” في شكل إقامة علاقات دبلوماسية مع دول الجنوب التي ظلت لسنوات طويلة في صف الحقوق العربية المشروعة، وهو أمر كان قد بدأ في الواقع بعد صلح السادات المنفرد معهم…

(5) الاستمرار في تعزيز الترسانة العسكرية الإسرائيلية وتعزيز علاقاتها العسكرية والاستراتيجية مع الأمريكان والغرب، على عكس كل الحالات الأخرى حيث تقوم الدول التي تستعد للتسويات التاريخية مع خصومها بتقديم تنازلات متبادلة معهم سياسيا ويتم تخفيض حجم التسلح بطريقة أو بأخرى…

ويحدث هذا بينما يتم الزج بالجيوش العربية في حروب أهلية أجهضت ثوراتها السلمية من جهة، واستجداء الحكام العرب “السلام” عبر ما يسمى “مبادرة السلام العربية “ من أكثر من 14 عاما من جهة أخرى.

(6) الإستمرار في الغزو الثقافي وتزوير التاريخ والترويج للأكاذيب عبر عمليات تضليل إعلامي وبحثي وعبر عمليات غسل الأدمغة من خلال مثقفين محليين تم تضليلهم واستخدامهم للترويج للأساطير والأكاذيب الصهيونية مثل “بيع الفلسطينيين للأرض”، “المشكلة الفلسطينية مشكلة الفرص الضائعة”، و”الحق التاريخي والديني لليهود في فلسطين” وغير ذلك.

سادسا: أثناء سراب أوسلو ارتكب بيريز مجزرة قانا في جنوب لبنان في 18 أبريل 1996 والتي راح ضحيتها مئات من القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والشيوخ الذين لجأوا إلى إحدى الملاجئ التابعة للأمم المتحدة للحماية ضد حرب عناقيد الغضب التي شنها بيريز على لبنان آنذاك.

سابعا: بيريز هو صاحب مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي استهدف بناء نظام إقليمي جديد تكون الهيمنة فيه للإسرائيليين ويتحول فيه العرب إلى سوق استهلاكية تابعة لهم، مع اسقاط المقاومة والمقاطعة وتعزيز التطبيع.

ثامنا: لا يوجد في الكيان الإسرائيلي المحتل يسار ويمين فيما يتصل بالصراع مع العرب، فالكل يخدم كيانه الغاصب بطرق مختلفة ومتكاملة، ويخدم المرجعية الفكرية لهذا الكيان أي الصهيونية التي قامت على نفي الآخر والقضاء عليه والتمييز ضد من يتبقى منهم على أساس ديني.

ومعظم الحروب التي شنّها هذا الكيان كانت أثناء حكومات حزب العمال الذي كان ينتمي له بيريز ورابين.

*****

من يرى في مجرم الحرب هذا “رجل سلام” فهو شريك معه في جرمه ولن ينجو من حكم التاريخ ومن ملاحقة المقاومة له بكل صورها المشروعة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف