البديل
محمود دوير
الموت غرقا.. الموت فقرا
الفقر فى الوطن غربة، قالها الإمام على بن أبى طالب منذ قرون عديدة. وطن صار قاسيا على كل من به إلى الحد الذى دفع بعضهم للانهزام والضعف أمام أمواج الهجرة – غير الإنسانيه – بحثا عن حياة تليق بإنسان يوفر من خلالها احتياجاته.

جميعنا فى مركب رشيد سائرون، لا نعرف إلى أين؟ ومن لم يمت فينا غرقا مات كمدا على مستقبل قاتمة ملامحه وحاضر شديد الرداءة، لا يحمل لنا غير أنات واحتياج لا ينتهى.

انخرط الكثير فى نصب محاكمة شعبية لشباب قفزوا إلى الموت بمحض إرادتهم لعل البحر يكون أرحم عليهم من وطنهم، وتبارى الكثيرون فى تحليل أسباب اندفاع شباب وربما أطفال وعائلات إلى احتضان أخشاب مركبا لا يعرفون إلى أين يذهب بهم لكنهم يملكون الأمل فى أن تنقلهم تلك المركب إلى واقع مغاير ومجتمع يحترم أدميتهم دونما تمييز.

ثمة حقيقه غائبة أو تم تجاهلها وهى أن حالات الهجرة غير الشرعية من مصر قد انتعشت فى العقد الأخير من حكم المخلوع مبارك حيث بلغت ذروتها ما بين 2007 حتى 2010، ثم انحصرت تماما عقب ثورة يناير رغم حالة الإنفلات الأمنى الصارخ التى سادت الشارع المصرى، وتراجعت بشكل ملحوظ حتى بداية 2013 ثم عادت لتظهر من جديد لكن غالبيتها كانوا من المهاجرين العرب والافارقة، ومع بداية عام 2014 بدأت الظاهرة تنتعش أكثر وأكثر خاصة بين السورين والسوادنين المتواجدين فى مصر.

ثم يأتى عام 2015 ليعود المصريين للبحث عن فرص للهجرة عبر المتوسط، هذا يعنى أن الأمل والتفاؤل الذى صاحب ثورة يناير وارتفاع سقف الأمانى دفع الشباب إلى التمسك بالوطن أملا وربما ثقه فى مستقبل أفضل لكن هذا الأمل سرعان ما تبدد بفعل الواقع الاقتصادى المأزوم، والذى يزداد يوما بعد يوم فشعر ملايين الشباب أن المستقبل لا يحمل لهم خيرا، ورغم إعلان الرئيس السيىسى أن عام 2016 عام الشباب، وقد اقترب العام من نهايته ولم نجن سوى وداع جثامين الشباب وقد طردهم البحر إلى شواطئ رشيد، وكأن البحر يبعث لنا برسالة موجعه ومؤلمة: هى بضاعتكم ردت اليكم، وهي أفضل بضاعة نمتلكها، شبابنا.

لم يتوقف الكثير من المسؤلين أو المحللين أمام تأكيد عدد من شباب مركب رشيد عقب نجاتهم بأنهم سوف يعاودون المحاولة رغم الموت الذى شاهدوه بأعينهم واستنشقوا رائحته الكريهة،الموت فى المتوسط موت لنا جميعا، لنظام فشل حتى الآن فى صناعة الأمل واكتفى بصناعة تهمة “صناعة اليأس” وهل لليأس مناخ مناسب اكثر من هذا، وهل هناك تعبير عن واقع مر أقوى من مشهد مركب رشيد، وحده يكفى لأن نعلن إدانة أنفسنا أيها السادة دونما محاولة للتجمل أو إدعاء ما ليس حقيقيا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف