السيد العزاوى
التضحية والإيثار أهم دروس الهجرة النبوية
سوف تظل الهجرة النبوية من مكة إلي المدينة المنورة علامة بارزة في تاريخ الأمة الإسلامية. وقد تركت علي مدي التاريخ دروسا تؤكد أن الإيمان حين يتمكن في القلوب تتضاءل أمامه الصعاب. في مقدمة هذه الدروس التضحية والايثار التي قام بها أصحاب سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم تركوا الأهل والديار في سبيل نصرة الحق والعدل.. واستجابة لدعوة النبي الكريم التي أضاءت الدنيا وسطعت أنوارها في سماء أم القري. وأبهرت الجميع.. بمبادئها التي بددت ظلمات الجاهلية التي كانت تسود الجزيرة العربية في ذلك الوقت. وقد حدد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم معالم الطريق لهؤلاء الصحابة وكان حب الله ورسوله قد تمكن في صدورهم فهانت عليهم الدنيا بكل ألوان متاعبها واستعذبوا كل الوان الايذاء التي كان يقوم بها أهل الكفر في مكة وصدق الله العظيم إذ يقول: يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون" 32 و33 التوبة.
وقد سجل الله عز وجل مواقف هؤلاء المهاجرين والانصار وتضحياتهم في سبيل دعوة الهدي التي جاء بها رسوله مبشرا ونذيرا ففي سورة الحشر يقول ربنا "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" 8 و9 الحشر.
ان هذه الأحداث الخالدة تركت علي أرض الواقع نماذج من هؤلاء الصحابة الذين قلما يجود الزمان بأمثالهم فها هو الصديق أبو بكر رضي الله عنه بمواقفه الممتازة التي تتضاءل دونها الكلمات كان وفاؤه وإيمانه وثباته بجوار الرسول صلي الله عليه وسلم يفوق الوصف فقد فتح بيته وجند أمواله في خدمة الرسول ودعوته وقد كان يستعجل الهجرة من مكة للمدينة تنفيذا لأمر الرسول لأصحابه لكن الرسول صلي الله عليه وسلم كان يطالبه بالانتظار وحين اذن الله بالهجرة في رفقة سيد الخلق صلي الله عليه وسلم كانت كل الامكانيات تحت أمر الرسول صلي الله عليه وسلم وكان أفراد اسرة أبي بكر في خدمة هذا الأمر الذي ينطوي علي السرية المطلقة. مواقف سجلتها كتب السيرة والتراجم بأحرف من نور.
نقتبس بعضا من مواقف الصديق رضي الله عنه لعلها تضيء الطريق أمام أهل النور والهدي ويتمثل ذلك القبس في لحظات الصدق من أبي بكر داخل الغار الذي اختبأ فيه هو والرسول صلي الله عليه وسلم فقد لدغ ثعبان أبا بكر واحدث له آلاما مبرحة لكنه كتم غيظه وتعبه الشديد ولم يشأ أن يخبر الرسول الذي كان مستغرقا في النوم واضعا رأسه علي فخذ أبي بكر وكانت دموع ابي بكر التي انهمرت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم هي التي ايقظت الرسول من النوم وحين سأله الرسول فأخبره بلدغة الثعبان فأخذ يطيب خاطره ويعالج آثار هذه اللدغة تقديرا لهذا الرجل الذي جاد بنفسه وماله في سبيل الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ومهما تمادينا في الحديث عن هذا الرجل فإننا لن نستطيع أن نوفيه حقه وتضحياته في كل المواقف.
أما عمر فقد كان أقوي من هاجر لم ترهبه تهديدات أهل الكفر بمكة ووعيدهم بالتصدي لأصحاب الرسول وقد كانت كلماته في يوم الهجرة تحمل تاريخا يؤكد شجاعة رجل من أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم وقد أعلن علي رءوس الاشهاد انه مهاجر قائلا: من أراد أن تثكله أمه أو ترمل زوجته أو تيتم أولاده فليتبعني خلف هذا الوادي.. شجاعة وبسالة في الحق. كما أن الرجال الذين اهتم الرسول ببنائهم في المدينة المنورة كانوا علي قلب رجل واحد في نصرة الله ورسوله.
استقبلوا المهاجرين بكل الحب والمودة فتحوا لهم قلوبهم قبل بيوتهم وكانوا يؤثرون إخوانهم المهاجرين علي أنفسهم ولم يكن في صدورهم سوي المودة والحب والتقدير لهؤلاء الذين باعوا الأهل والديار في سبيل نصرة الله ورسوله وبذل أقصي الجهد لنشر دعوة الحق وتثبيت أركانها. وكتب الله النصر لدينه ورسوله. الدروس متعددة الجوانب تشرق الأنوار من كل جوانبها وتؤكد للأجيال المتعاقبة أن الانتصار دائما لدعوة الحق وأهلها. "إن تنصروا الله ينصركم والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".