المصريون
جمال سلطان
الانتخابات المغربية واختبار عربي مهم وتاريخي
تجري اليوم الجمعة الانتخابات البرلمانية في المغرب الشقيق ، وهي انتخابات ذات أهمية بالغة ، ليس للمغرب وحده ، بل للمنطقة العربية كلها ، لأنها تجربة فريدة من نوعها في أعقاب الربيع العربي ، وكانت رياح الربيع قد وصلت للمغرب في مطلع العام 2011 وعمت التظاهرات الصاخبة أنحاء البلاد مطالبة بالإصلاح والتغيير ، وتعامل معها الملك الشاب محمد السادس بذكاء وحكمة وبصيرة سياسية ، فأمر الأجهزة الأمنية بعدم التعرض لأي مظاهرة أو إطلاق أي رصاص ، فقط حماية المنشآت الوطنية ، وعاد من سفره لكي يدعو إلى حوار وطني يتمخض عن دستور جديد ، منح البرلمان ، الجسد الوطني المعبر عن إرادة الشعب ، صلاحيات واسعة عن ذي قبل ، ويلزم الملك بأن يكلف رئيس الحزب الذي يحصل على أغلبية برلمانية بتشكيل الحكومة ، وجرت أول انتخابات بموجب هذا الدستور الجديد ، وفاز فيها حزب العدالة والتنمية بزعامة عبد الإله بن كيران ، وتم تكليفه بتشكيل حكومة ، وكانت مفاجأة هائلة في المغرب وما حوله ، أن يتولى حزب إسلامي الهوية رئاسة الحكومة في عملية إصلاحية هادئة يشرف عليها الملك نفسه ، جنبت المغرب توابع وتكاليف قمع الثورات في عواصم الربيع العربي ، اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا . تجربة بن كيران في رئاسة الحكومة المغربية كانت مميزة ، وحقق إنجازات حقيقية على صعيد الاقتصاد والبنية الأساسية وإصلاحات اجتماعية ، وهو أمر يمكنك ملاحظته بسهولة عندما تتجول في المغرب هذه الأيام ، فلا تكاد توجد مدينة إلا وفيها حركة إعمار أو تطوير لطرق ، كما أن الحالة المعيشية للمواطن المغربي تحسنت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأربع الماضية ، وعلى الأقل هذا تقديري كمشاهد ، بين زيارتي للمغرب قبل حوالي عشر سنوات وزيارتي لها هذا العام ، ولكن الملف السياسي والحقوقي ما زال يشهد خروقات وتحديات ، ولكن يصعب أن تتحمل حكومة بن كيران مسئولية ذلك ، لأن التوافق السياسي قضى بأن تكون بعض الوزارات السيادية ، ومنها الداخلية باختيار القصر وليس باختيار رئيس الحكومة ، بل الغريب أن وزارة الداخلية دخلت في تحرشات مع رئيس الحكومة وحزب الحكومة ، خاصة في الأشهر الأخيرة ، من أجل التشهير بسمعة الحزب وضربه في الانتخابات ، على النحو الذي جرى مع توقيف قياديين من الحزب والترويج إعلاميا بأنهما كانا في وضع مخل في سيارة ، إضافة إلى إحراجات عديدة جرت في الأسبوع الأخير جعلت بن كيران ، رئيس الحكومة ، يشتكي من تحرش الداخلية بحزبه . حزب العدالة والتنمية يدخل الانتخابات الجديد مسلحا بإنجازاته ، وطهارة اليد لوزرائه التي شهد بها المواطن المغربي ، الذي عاش عقودا طويلة وهو يشتكي من توحش الفساد واتساع رقعة الفقر ، أي أن الحزب تدعمه تجربة وواقع وليس أمانيا أو خطبا كلامية ، لكن العدالة والتنمية يواجه تحديا كبيرا من حزب الأصالة والمعاصرة ، وهو الحزب الذي يرأسه رجل الأعمال فؤاد علي الهمة ، الشخصية الأكثر قربا من الملك وصديق الملك شخصيا وزميل دراسته ، كما أن هناك فرصا لليسار المغربي لتحقيق حضور جيد في تلك الانتخابات ، وإن كان يضره نخبويته وخطابه السياسي المستعلي على الإرث الحضاري والديني للمجتمع المغربي ، وتلك أزمة اليسار العربي بشكل عام . نجاح الانتخابات البرلمانية المغربية ، وخاصة إذا تمكن العدالة والتنمية من تعزيز حضوره في مقدمة السباق الانتخابي ، وتشكيله الحكومة الجديدة ، سيعني ترسخ مسار الإصلاح في المغرب ، ويتحول إلى "خبرة" سياسية عربية جديدة ، ستؤثر بالتأكيد على أفكار الإصلاح والتغيير في عواصم عربية أخرى ، وخاصة دول الربيع العربي ، فالإصلاح التدريجي أو البطيئ قد لا يكون ملبيا لطموحات الشعوب وأشواقها للعدالة والحرية والشفافية ، ولكنه إصلاح عميق وراسخ ، ومزيد من الوقت يعطيه المزيد من المكاسب والتطور في مسار الإصلاح والمزيد من تراكم الخبرة السياسية أيضا ، أما أي انتكاسة للتجربة المغربية ، فإنها ستنعكس بالسلب والإحباط على المنطقة العربية كلها ، وتجهض أفكار الإصلاح لحساب الأفكار الثورية وربما العنيفة . كل التوفيق للأحزاب المغربية وللشعب المغربي وقيادته في تجربتهم الرائدة ، ونأمل أن تكتمل المسيرة ويتعزز مسار الإصلاح الهادئ ويؤتي ثماره للجميع .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف