المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
تجارة الطب فى زمن الرحمة المهدرة
من آفات هذا العصر إهدار قيمة الرحمة وتَحَول معاناة الناس وأوجاعهم إلى تجارة يتربح منها معدومو الشهامة والأخلاق والضمير، فها هم بعض المعلمين – رغم دعاء أولياء الأمور عليهم – لا يترددون فى ألا يشرحوا بالفصول الدراسية ويحولوا المدارس لمكاتب سمسرة يأخذون بواسطتها التلاميذ لمراكز الدروس الخصوصية التى يعملون بها مقابل مبالغ كبيرة تُدفَع بداية كل حصة، وبذا يتقاضون – حراما – أجرين: أجرا من وزارة التربية والتعليم رغم عدم قيامهم بواجباتهم تجاهها، وأجرا آخر من التلميذ قد يتم دفعه – غصبا – على حساب طعام وشراب وصحة الأسر.

نفس الأمر ينطبق على بعض المهندسين والمقاولين ممن استغلوا حاجة الناس للسكن وفساد ذمم بعض العاملين فى المحليات وبنوا عمارات الموت، إما على أراض زراعية غير مؤهلة لهذا الغرض وإما باستخدام مواد بناء مغشوشة وبنسب غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، مما أنتج كوارث لا حصر لها أدت لإزهاق أرواح بريئة تحت أنقاض هذه العمارات التى تنهدم يوميا على مرأى ومسمع من أهل الحكم والمسؤولية.

الأخطر من ذلك هم الأطباء الذين طلقوا الرحمة بالثلاثة ولم يتقوا الله فى صحة المرضى بل جعلوها مادة يهبشون من ورائها أموالا طائلة كلما نمت وازدادت زادت شراهتهم إليها ورغبتهم فى اكتنازها وكسب المزيد منها، بعض هؤلاء الأطباء لا يتردد فى إجراء عمليات جراحية لا يحتاجها المريض وإدخاله فى فحوصات وتحاليل وأشعات فقط من أجل ابتذاله وإجباره على دفع فاتورة كبيرة لملء الكروش وعمل بيزنس لصالح المراكز الطبية والعاملين فيها، وبعضهم لا يتردد فى استقطاب أولاد الشوارع وأولاد الفقراء لسرقة أحد أعضائهم دون علمهم أو مقابل مبالغ زهيدة تُدفَع لهم ثم بيعها بعد ذلك لمراكز أو أشخاص يدفعون نظيرها أضعافا وأضعافا، وبعضهم رفع سعر الكشف الواحد فى عيادته إلى 500 جنيه كحد أدنى.

وبعضهم لا يتقاضى أقل من 30 ألف جنيه فى عملية جراحية لا يستغرق إجراؤها أكثر من نصف ساعة، وبعضهم قد ينسى أدواته الطبية داخل جسد مريض أو يخطئ فى تشخيص المرض ويعطى علاجات خاطئة قد تنتج عنها وفاة المريض أو إصابته بعاهة مستديمة فى أحسن الأحوال، وللأسف الشديد يُترَك هؤلاء المذنبون دون حساب أو عقاب من نقابة الأطباء أو من وزارة الصحة أو مجلس «النوام» أو مجلس الوزراء أو أى جهة كانت وكأن الدولة بلا دولة، وكأن المواطن المصرى لا يستحق أن تكون له كرامة فى عيشه وفى صحته، لا يستحق إلا أن يكون مادة للبيع والشراء والتربح والانتهازية.

إن الطب ليس مهنة فقط بل عمل إنسانى جليل وعلم يحتاج إليه كل البشر، ومن أجل خدمة البشر وحماية صحة البشر ولفضل الطب على حياتنا وأهميته لنا قال عنه الإمام الشافعى: «إنما العلم علمان، علم الدين وعلم الدنيا، فأما العلم الذى للدين فهو الفقه وأما العلم الذى للدنيا فهو الطب». وقال الرازى فى فضل الأطباء: «لقد جمعهم خصال لم تجتمع لغيرهم منها اتفاق أهل الأديان على تفضيل صناعتهم واعتراف الملوك والسوقة بشدة الحاجة إليهم ومجاهدتهم الدائمة لاكتشاف المجهول فى المعرفة وإدخال السرور والراحة على غيرهم»، وقال الشاعر:

إن أردت الشفاء فاقصد طبيبا حاذقا ذا لطافة وذكاءِ

واحترس أن يكون فظا غليظا فإن لطف الطبيب نصف الدواء

إذن لا يوجد فى الطب تجارة ولا يستقيم أن يكون الطبيب تاجرًا وأولئك الذين قرروا التجارة بالبشر والكسب من وراء معاناة البشر لا هم أصبحوا أطباء من البشر ولا هم بشر يستحقون أن يكونوا أطباء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف