عندما طلبت هنا أمس إعادة تكريم أبطال نصر أكتوبر 1973، كانت أمامى تجربة مريرة عانى منها أبطال ثورة 19، الذين لعب القصر الملكى والإنجليز دوراً قذراً فى إهالة التراب عليهم وعلى ذكراهم.. وأخشى أن ينال أبطال نصر أكتوبر من نكران الجميل ما ناله أبطال ثورة 19.
فمن من المصريين يتذكرون الآن زعيم التنظيم السرى لثورة 19 الذى كان وراء استمرار الثورة، رغم توالى اعتقال السلطات لهم، وتوالى نفيهم.. وهو الذى حفظ أسرار الثورة وقادها - وقت غياب قادتها فى السجون والمنافى.. مَن يتذكر هذا النجم الرائد: عبدالرحمن بك فهمى.. الذى حاول أن يذكّر الشعب بما فعل عندما أصدر مذكراته - فى جزأين - ومن يتذكر الآن دور زعيم الطلبة خلال هذه الثورة واسمه إبراهيم عبدالهادى.. حتى بعد أن رفض عرض فؤاد سراج الدين باشا عليه أن يكون هو رئيس حزب الوفد الجديد.. وهو الذى رفض محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر بعد ثورة يوليو، التوقيع على حكم محكمة الثورة يوم أول أكتوبر 1953، بإعدامه شنقاً، واتفق مجلس قيادة الثورة على تخفيف حكم الإعدام بالسجن المؤبد مع مصادرة ممتلكاته وأمواله.. وكذلك نسى الناس بطولات اثنين من أقطاب هذه الثورة، هما: أحمد ماهر باشا، ومحمود فهمى النقراشى باشا، وكانا من قادة الفدائيين الذين أذاقوا أعداء الوطن الكثير من المرارة.. وكان مصيرهما الاغتيال، أولهما فى عام 1945 وثانيهما عام 1948!! وغير هؤلاء كثيرون.
وإذا كان جيلى مازال يتذكر صائد الدبابات الإسرائيلية واسمه بالكامل محمد عبدالعاطى عطية شرف.. الشهير بعبدالعاطى، صائد الدبابات، ابن قرية شيبة قش، الذى دمر بمفرده 23 دبابة وثلاث عربات مجنزرة.. بل من يتذكر الآن وبعد 43 عاماً ذلك الضابط الصغير فى رتبته، يسرى عمارة، الذى تمكن من أسر العقيد عساف ياجورى، قائد اللواء المدرع الإسرائيلى 190، بعد أن دمرت قواته المصرية 73 دبابة من دبابات العدو التى كانت تستهدف العودة إلى قناة السويس يوم الاثنين 8 أكتوبر 1973.
أقصد أنه ماتت أجيال وولدت أجيال.. فهل نترك ذكرى هذا الانتصار تموت بعد قرن من الزمان؟!.. هنا أقول - ومعى المقاتل الدمياطى حسنى المتبولى الذى شارك فى عمليات حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر - إن خير وسيلة لتخليد هؤلاء الأبطال هى أن نرى أسماءهم على القرى التى أنجبتهم، أو الشوارع التى شهدتهم يلهون فيها وهم أطفال.. أو على المدرسة التى تعلموا فيها.. وليس الهدف هو مجرد تكريمهم.. ولكن «المحافظة» على العمل العظيم الذى شاركوا فى صنعه.. ليفخر بهم أولادهم وأحفادهم. ولنرسم بأعمالهم القدوة التى يجب أن نحافظ عليها، فما يهمنا هو أن نحفظ كل جميل، وهل هناك ما هو أفضل من أدوارهم فى حرب 1973؟!
يقول الضابط المقاتل حسنى المتبولى.. لقد رحل من رحل إلى رحمة الله.. ولم يعد باقياً إلا أقل القليل، تعالوا نبحث عنهم.. ندق أبواب بيوتهم ونصحبهم وهم يرفعون لافتة باسم كل منهم: على مدرسة أو عيادة.. أو حتى فصل دراسى.. أو على شارع.. أو على حارة.. على محطة سكة حديد.. أو ساقية مياه.. المهم أن نعيد إليهم الثقة بأن مصر مازالت تتذكرهم. ثم أليس عيباً أن يدفع الواحد منهم رسوماً ليدخل - مع أسرته - أحد نوادى القوات المسلحة ولو كانت فى المصايف.. وكيف يرد الجد البطل على حفيده الذى يسأله: ألست أنت ممن حاربوا فى 73.. فكيف تدفع حتى ولو كانت رسوماً زهيدة؟!
■ ■ وهل بقى على قيد الحياة أكثر من 50 ألف عسكرى من هؤلاء.. لماذا يدفعون مقابل ركوب المواصلات الحكومية.. أو حتى وهم يدخلون داراً للسينما، بل على باقى الهيئات والمؤسسات والنوادى أن تمنحهم بطاقات عضوية فى نوادى الشرطة والقضاة والمحامين والمهندسين وغيرها.
■ ■ ونحن هنا لا نكرمهم بأسمائهم، ولكن بمجرد مشاركتهم فى الحرب الوحيدة التى انتصرنا فيها.. نكرم المعنى لنحيى فى نفوس الكل معنى الوفاء.. لمن تركوا أولادهم وأسرهم.. وحملوا السلاح، وعاشوا فى الخنادق أكثر من عشر سنوات رغم انتهاء مدة تجنيدهم الإجبارية.. وعندما حانت اللحظة.. نسوا أولادهم وعائلاتهم.. وانطلقوا عابرين القناة.. متسلقين تلال خط بارليف، ومنهم من لم ينتظر سلالم الحبال!!
■ ■ ونقول ذلك لكل المقاتلين الآن، سواء لمواجهة الإرهابيين أو الذين يقبعون فى مواقع عملهم ليعملوا جميعاً دون انتظار الثمن.. ولكن ليحيا الوطن ويتخطى ربما ما هو أخطر الآن من عبور القناة وحرب 1973، إذ لو كانت حرب 73 معركة عسكرية فإن معركتنا الآن هى معركة حضارية.. ونتائجها قد تكون أخطر من نتائج هزيمة 67.
ومن أجل النصر الجديد الذى نسعى إليه.. تعالوا نكرّم القدامى.. لنشجع المقاتلين الجدد.. لنعبر عام 2016 أخطر معركة.. تماماً كما عبرنا وانتصرنا عام 1973.
أين أنتِ يا روح أكتوبر العظيم؟!