يحيرنى الشعب المصرى، فى كثير من سلوكياته.. فهو شديد الكسل إذا استرخى، كثير المطالب.. ولكنه يتحول ـ عند الشدائد ـ إلى شعب شرس يتنمر.. وينطلق يعمل.. ويحارب فى نفس الوقت.. فهل نحن فعلاً لا نتحرك إلا عند الشدائد أو قولوا عند المخاطر، أو عندما تلوح المخاطر؟.. نعم، نحن كذلك.
فالشعب الذى وقف يتفرج بينما جيش بونابرت يسحق جيش المماليك فى بر إمبابة عام1798.. بعد أن تدهور حال المماليك منذ خضعت مصر للحكم العثمانى وكأن حرب بونابرت مع المماليك ليست حرباً له.. هو هو نفس الشعب الذى قام بثورته الأولى ضد بونابرت نفسه عام 1799.. ثم بثورته الثانية ضد كليبر خليفة بونابرت فى مارس 1800 وبروز القيادة الشعبية المصرية التى قادها عمر مكرم.. وتضامن معه قادة الأزهر ورجال الدين الإسلامى بقيادة الشيخ الجوهرى.. كما تضامن معه رجل المال والأعمال بقيادة السيد أحمد المحروقى كبير التجار.. وكان تحرك الشعب- فى الثورتين- عظيماً عندما زادت مظالم جيش الاحتلال الفرنسى! هى إذن الشدائد، التى تصنع بطولات الشعوب.
<< وهو نفس الشعب الذى لم ينتظر وصول قوات حكم مصر ليشترك مع شعبها فى مقاومة الجيش الإنجليزى فيما عرف بحملة فريزر عام 1807.. بل تصدى أبناء رشيد ـ وحدهم ـ لقوات الغزو.. وهزموها بينما محمد على فى الصعيد، ثم قابعاً فى القلعة! هو إذن شعب الشدائد.
وهو نفس الشعب الذى تصدى لسيطرة الأتراك على الجيش المصرى أمام الخديوى توفيق وهو الشعب الذى وقف وراء أحمد عرابى فى ثورته ضد الطغيان فيما عرف باسم هوجة عرابى بين عامى 1879 و1882 بل وتبرع الشعب بأمواله لتجهيز الجيوش للتصدى للغزو الإنجليزى وعجز الإنجليز عن التقدم من الجبهة الغربية عند كفر الدوار فكان أن التف بقواته الى الجبهة الشرقية.. ولولا خداع ديلسيبس للعرابيين وخيانة ضعاف النفوس المصريين، وعلى رأسهم على بك حنفى لما انهزم عرابى.. ولن ينسى التاريخ وقفة الشعب مع ووراء عرابى.. هو إذن شعب الشدائد.
<< وهو نفس الشعب الذى وقف وراء محمد على وهو يبنى الوطن ويعلم أولاده ويقيم المشروعات.. ولم يبخل الشعب.. لأنه تأكد أن ما يدفعه للحاكم سوف يعود عليه بالنفع الكبير.. ولهذا لا غرابة أن الجيش الذى أنشأه محمد على من الفلاحين.. هو نفسه الجيش الذى هزم تركيا وهدد سلطانها فى عاصمة استانبول.. والشعب هنا تحمل الشدائد.. لأنه رأى الخير مع محمد على.
<< وهو نفس الشعب الذى وقف وراء إسماعيل باشا «الخديو» الذى أراد استكمال مشروع جده محمد على.. تماماً كما وقف يهتف لحفيد إسماعيل، الخديو عباس حلمي الثانى يوم نفاه الإنجليز، وكان هتافهم: الله حى.. عباس جى.
وهو نفس الشعب الذى تصدى للعدوان الثلاثى عام 1956.. وهو نفس الشعب الذى خرج يرفض تنحى عبدالناصر بعد هزيمة يونية 1967... وهو نفس الشعب الذى وقف وراء جيشه وضحى بكل شىء.. ليتحقق نصر أكتوبر 1973.
<< وهو نفس الشعب الذى يواجه اليوم حرباً شرساً تستهدف تركيعه وتدميره بمؤامرات فى الداخل والخارج. ولكنه صامد.. ومستعد للتضحية، وواقف بجوار قيادته الحالية بقيادة عبدالفتاح السيسي، ويدعمه، رغم أنه يعلم حجم المؤامرات التى تستهدفه.. وفى ذكرى نصر 1973 يؤكد الشعب ـ من جدد ـ انه شعب الشدائد القادر على الصمود.. ومستعد ليقدم كل شىء.. لنعبر 2016 بجدارة.
<< كل ذلك يؤكد أن شعب مصر.. هو بحق.. شعب الشدائد.