المساء
محى السمرى
بالحب بقيت "المساء"
أمس الأول احتفلت أسرة جريدة المساء بمرور ستين عاما علي صدورها.. ورغم كل الأعاصير التي لاحقتها.. ومازالت.. إلا أنها استطاعت ان تتخطي كل المحن والصعاب وتبقي صامدة علي مدي ستين عاما وهي أكبر فترة زمنية عاشتها صحيفة مسائية في الشرق الأوسط كله وليس مصر وحدها.. وقد بقيت المساء كل هذا الزمن لأن الأجيال التي تعاقبت علي العمل فيها كان الحب يجمعهم والرغبة في النجاح هدفهم.. حتي الذين ظهروا فيها ثم تخاطفتهم الدور الصحفية داخل وخارج مصر دائما يتذكرون ان أيام المساء هي أحلي فترات العمر.
والحقيقة ان المساء كانت بالنسبة لي ولغيري مدرسة صحفية ضمت عمالقة من صحافة زمان مثل المرحوم محمد عبدالقادر حمزة وكان رئيس تحرير وصاحب الامتياز لجريدة البلاغ المصرية قبل أن ينتقل إلي المساء وكان استاذا بمعني الكلمة.. وأذكر له مواقف كنت أجد فيها تحطيما لمعنوياتي بل وإحساسي بالفشل فقد كنت كلما قدمت له خبرا أو موضوعا أجده ينظر في الورق ثم يلقيه في سلة القمامة.. وذات يوم قال لي لماذا لا تسألني عن سبب رفض ما تقدمه من مادة.. هل تعرف لماذا.. لأنك لا تضيف شيئا عما كتبته الصحف الصباحية وبالتالي فإن ما كتبته ماده قديمة لا تصلح للنشر.. قلت وقد تشجعت.. وماذا أفعل؟ رد عليّ بهدوء.. اكتب كل ما تعرفه ثم اقرأ الصحف الصباحية.. وكلما وجدت سطرا كتبته وموجود في الصحيفة عليك أن تشطبه والباقي هو جهدك الحقيقي.
ولكي تحصل علي انفرادات صحفية عليك ان تنفرد بالمصدر بعد أن ينتهي كل الصحفيين الذين معك من إلقاء اسئلتهم وحصولهم علي الإجابات.. لو فعلت ذلك ستجد انك ستحصل علي انفرادات للجريدة.
بصراحة كان درسا لا أنساه.. تعلمته ونقلته لغيري من المحررين.
والشخصية الثانية هو المرحوم محمد نجيب الذي كان أحد أعمدة جريدة الأهرام.. وكان يهوي السهر والاتصال بالمصادر طوال الليل.. ولهذا كان يعرف الكثير من الأخبار.. وكان دائما يذكر لي أن علي الصحفي أن يتصل بمصادره قبل أن ينام ولا يهم إذا كان المصدر نائما أو مستيقظا والمهم هو أن يبادره بسؤال.. لا أن تسأله ايه الأخبار.
واتذكر ايضا الزميل المرحوم سامي عماره الذي نصحني بالذهاب إلي المطار.. فهذا المكان جديد بالنسبة للصحف ومليء بالأخبار.. كنت في ذلك الوقت أحبو في عالم الصحافة.. وذهبت إلي الزميل الكبير المرحوم كمال الجويلي الذي انبهر برغبتي للذهاب إلي المطار وسعي لكي احصل علي خطاب إلي مدير المطار المسئول عن تصاريح الدخول.. وكانت بدايتي في الانطلاق لعالم الصحافة.. واتذكر كذلك الزميل الكبير المرحوم حمدي النحاس الذي طلب مني أن احصل علي الصحف البريطانية من علي الطائرة القادمة من لندن.. وبصراحة لم أكن أعرف السر في هذا الطلب.. ثم علمت انه يستعين بهذه الصحف في عملية الإخراج الصحفي لصفحات الرياضة من جهة وكذلك ترجمة لوصف المباريات من جهة أخري.. أفكار كانت جديدة وعبقرية في نفس الوقت.. وكان الكل يسعي لكي يبتكر ويفكر في التجديد الصحفي ولا أنسي أيضا الزميل الكبير صاحب المدرسة الإدارية والتي تخرج فيها أدباء كثيرون وهو عبدالفتاح الجمل.. وقد عهد إليّ بتحرير صفحة اسبوعية تحت عنوان "رأي الشعب" وكانت عبارة عن عرض مشكلة أو قضية يتردد صداها في أنحاء البلاد وتسأل فئات من أفراد مختلفة عن رأيهم في حل هذه المشكلة أو هذه القضية وكانت صفحة من انجح الصفحات لأنها كانت تتناول بالفعل مسائل تهم أفراد المجتمع.. تعلمت الكثير والكثير من أسرار العمل الصحفي وفي المقابل كانت هناك "مقالب وأسافين" يصنعها البعض ضد البعض الآخر.. وأتذكر أيضا في هذا الصدد "مقلب" دبره لي المرحوم عبدالحميد عبدالنبي.. حيث اتصل بي تليفونيا بعد أن غير صوته وادعي انه ضابط اتصال بمطار القاهرة وان هناك خبرا مهما يجب ألا يفوتني وهو مرور الفنانة الأمريكية مارلين مونرو علي مطار القاهرة بعد ساعة ونصف.. طبعا صدقت هذا الكلام فلا يوجد مبرر لأي كذب في هذا الخبر.. وبدأت استعد للذهاب وطلبت زميلا مصوراً وعربة واعتقدت انني سأنفرد بتحقيق فني ممتاز.. ولكن عندما رأي الزميل انني سأتورط عاد وافصح عن نيته الشريرة في الايقاع بي.. ومنذ هذا اليوم لا يمكن أن اصدق أي اخطار بأي خبر بل لابد من التأكد منه بكل الوسائل.. وبصراحة عشت أجمل أيامي في المساء.. واعترف بأن هذه الجريدة جعلتني اشاهد معظم بلاد العالم. فمن خلالها عرفت السفر إلي الخارج.. طفت معظم البلاد الأوروبية أكثر من مرة وايضا البلاد الآسيوية من اليابان في أقصي الشرق إلي هونج كونج بل ومعظم ان لم يكن كل بلاد جنوب شرق آسيا.. حتي القطب الشمالي في جزيرة السلاند التي قمت برحلة إليها في عز الشتاء.. وكذلك جزر هاواي في المحيط الهادي واستراليا والاتحاد السوفيتي وغيرها في أفريقيا والبلاد العربية وغيرها وغيرها.
وفي كل بلد سافرت إليه كنت اكتب أخباره وموضوعات وتحقيقات.. وفي كثير من الأحيان كنت اكتب وصفا شاملا للبلد الذي زرته واعطي انطباعا للتقدم الذي كنت أراه.
الحقيقة ان المساء كانت صاحبة فضل وعن طريقها عرفت العالم.. وعرفت الناس.. لم اتركها طوال عملي لكي احصل علي إجازة للعمل في بلد عربي أو في جريدة أخري.. لكن كل حياتي وهبتها إلي المساء الجريدة التي أصلي وابتهل إلي الله أن تدوم وتنشر الثقافة والمعرفة والخبر الصادق والتحقيق المتميز بين الناس.
وبالمناسبة أقول.. لم نكن زمان نعتمد علي أي وسيلة للحصول علي الخبر أو الموضوع فلم يكن "النت" والفيس بوك والأجهزة الالكترونية المختلفة قد ظهرت في أسواقنا بعد وكان لابد لنا ان نتحرك وننزل إلي المصادر وهذا ما يجب أن يكون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف