في كل عام ونحن نحتفل بانتصاراتنا في حرب أكتوبر نزداد يقينا بأن صناعة السينما الوطنية في مصر غير مؤهلة لمحاكاة ذلك الانتصار المجيد الذي حققته القوات المسلحة والشعب علي العدو الإسرائيلي في السادس من أكتوبر .1973
إنها من وجهة النظر الموضوعية - سينما فاقدة للأهلية مصابة بهوس التجارة والترفيه الفارغ تدمن الدوران في فلك الجنس والمخدرات والانحرافات الشائعة وتغرق في التفاهة غير عابئة بما يعيشه المجتمع من تفاعلات وقضايا وإنجازات.
فالنسبة الغالبة من الإنتاج المحلي تعكس عقلية القائمين علي هذه الصناعة والممولين لها ومفهومهم عن "الفيلم".
حدث "أكتوبر" ضخم وعالمي ويرتبط بالصراع الأهم والأكثر تأثيرا علي الدوامات العنيفة التي تضرب منطقة الشرق الأوسط الآن وقبل الآن.
فالصراع العربي الإسرائيلي شهد عدة حروب ونصر أكتوبر يعتبر الصدام العسكري الرابع مع إسرائيل والانتصار الذي تحقق من خلاله تاريخياً بكل المقاييس ورغم ذلك لم تنتج السينما الوطنية في مصر منذ ذلك الزمان "1973" سوي حفنة أفلام تجارية محدودة القيمة والتأثير وضعيفة في التقييم الأخير وأفضلها لا يرقي إلي الحدود الدنيا من أي عمل فني مطلوب منه أن يضاهي الحدث من حيث الضخامة والأهمية وعمق التأثير في تاريخ مصر الحديثة.
بضعة أفلام سطحية وبنفس التوليفة التجارية تم إنتاج معظمها علي عجل في السنة التالية لانتصار أكتوبر.
وموضوع الحرب والأحداث التاريخية والصراعات العسكرية يتسع لنوعيات عديدة من الفيلم السينمائي. يجمع بين الأكشن والرومانسي والتاريخي والحكايات الذاتية المرتبطة بشخصيات الضالعين في الحدث الملحمي الكبير والذي يعالج قضايا قومية كبري ترتبط بتاريخ ومصير شعب.
وسنة بعد سنة بعد سنة لمدة 43 سنة يظل الواقع المصري السينمائي ثابتا ويزداد تراجعا وجموداً. نفس الأفلام المتعجلة القديمة التي تم إنتاجها سريعاً كنوع من تخليص الضمير وإرضاء الذمة. تجربة أو أكثر تستحق الاهتمام والباقي أعمال تافهة رغم كل الادعاءات والدعايات الفارغة التي نتابعها من خلال برامج هايفة تستضيف أبطال تلك الافلام بمناسبة ذكري الانتصار.
والحمدلله أن حقل الاغنية الوطنية ليس بهذا البوار المخزي الذي يعم الإنتاج السينمائي المصري.
وفي هذه السنة 2016 - تأتي الاحتفالات بنصر أكتوبر بينما يشهد الجمهور المصري علي شاشات السينما أفلاما تعكس حجم التردي والهزال الفني والموضوعي الذي وصلنا إليه وحالة الموات الذي أصاب الخيال السينمائي الذي يؤكد عمق اللهو الخفي والصريح الذي يغرق فيه الإنتاج السينمائي ورموزه.
المفارقة المخزية أن التيار الواهن والبائس للسينما الجادة يتراجع بدوره أكثر ولا يقوي علي جذب المتفرج بعيداً عن التيار المتسيد الفاسد!!.. والأكثر بؤساً أن الحفنة القليلة التي كانت مشدودة إلي هذا الخيط الرفيع لم تعد مؤمنة بما تفعله بسبب الإخفاق المتكرر من شباك التذاكر وبسبب عجزها عن تحقيق البهجة والتسلية المرضية لمتفرج اعتاد نوعية بعينها من الترفيه الصاخب الاستهلاكي المدعوم بأكثر معطيات الفن الردئ رداءة فغرقت بدورها في حضن اساطين الانتاج السائد.
الأفلام المعروضة في هذه السنة التي تمثل السنة الثالثة والاربعين من عمر العبور العظيم فيما عدا فيلمين أو أكثر قليلا لا يمكننا أن نتعامل معها بجدية أو احترام فهي أعمال بعيدة عن الحدث أو الاحداث القومية عموماً.
وعلي أي حال شهد الاحتفال في هذه السنة الاحتفاء بالإنسان الذي صنع النصر وبالشرائط التسجيلية التي عرضت اجزاء من المشهد العظيم للمعارك العسكرية. وتم تسليط الضوء أكثر علي زوايا من صور الانتصار الذي فاجأ العالم وصحح الصورة الذهنية التي خلفتها حرب .1967