الأخبار
عبد المنعم فؤاد
أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف
لم أصدق أذني وعيني وأنا أسمع، وأشاهد هذا الذي يحمل لقب مستشارا، ومحكما دوليا، بل ومفكرا إسلاميا: وهو يصطرخ بأعلي صوته أمام الملايين من المصريين في إحدي القنوات ( ويتهم الإسلام بأنه ما انتشر في مصر، والعالم إلا بحد السيف، وأن القائمين علي الفتوحات، وفيهم أكابر الصحابة والتابعين - ما كانوا إلا غزاة جبابرة تقودهم شهواتهم فيغزون، لذلك كانوا يتجهون للشمال دائما، لا للجنوب، لأن الجنوب بشرة النساء فيه سوداء، أما في الشمال فالنساء بيض الوجوه!!.
ثم اتهم صلاح الدين الأيوبي بأنه قتل الآلآف من المصريين، وفعل بالنساء ما يريد، ثم سلق البخاري، وعلماء الحديث بألسنة حداد ولم يذكر لهم حسنة واحدة ).
وما كنت أتوقع أن مسلما يصل إلي هذه الدرجة من السخط، وأن يقول هذه الخزعبلات، فلو كانت هذه الأقوال قد صدرت من مستشرق لهان الأمر، لأن ذلك دأب الغلاة من المستشرقين، والمبشرين هناك، فساعة عجزهم عن إقامة الحجة عن سماحة الإسلام، يلجؤون إلي مثل هذه الأكاذيب، والأباطيل، وهذا شأن المُفلس علميا في كل زمان.
لكن أن يصدر ذلك من بين أبناء جلدتنا، ثم يجلس علي منصة الفضاء ليشحذ الهمم ضد دينه، ويعطي لهذا الدين شهادة التطرف، والإرهاب بامتياز، ويقدمها للمغرضين دون أن تكون عنده آثارة من علم في اللغة، أو أصول الفقه، أو علوم القرآن، أو الحديث أو العقيدة، أو علوم المجاز، وأن يستخدم في سبيل سعيه هذا سيلا من الاتهامات، والأراجيف، والأوهام المضحكة ضد الفاتحين من الصحابة، والتابعين، وعلماء الأمة: فذلك هو الباطل بعينه، والباطل لابد أن يُقاوم بكل الوسائل القانونية، والعلمية ( إن الباطل كان زهوقا ) الإسراء -81-
أما القانونية فلها أهلها.
أما وسيلتنا العلمية فنكتفي من خلالها أن نلفت الأنظار إلي أن القرآن الكريم الذي قرر حرية الاعتقاد في آياته لا يمكن أن ُيقرر في الوقت نفسه استعمال السيف، ولا غيره في نشر الإسلام، وليس له من طريق في الدعوة إلا طريق الإقناع (ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) النحل - 12.
فليس صحيحا أن المسلمين، : عُشاق للحروب، وعطشي للدماء، بل الأمر علي العكس تماما، فهناك حشد من الآيات الكريمة التي تُؤصل لثقافة السلام، وتنبذ كل الوسائل التي تؤدي إلي كارثة الحرب، والنبي ينادي أبناء الأمة قائلا : (لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية)، ويقول : (اتركوا الحبشة ما تركوكم، ودعوا الحبشة ما ودعوكم) فالحبشة بالرغم من أن أهلها علي دين يخالف ما عليه المسلمون، وهو المسيحية: لم يقاتلهم المسلمون، ولم يستعمروا بلادهم، مع أنها أقرب البلاد إلي عاصمة الإسلام، وهي المدينة المنورة، والمسلمون آنذاك يعرفون ضعفها، ومع ذلك حاربوا قريشا، وفارس، والروم لأن هذه الدول الأخيرة مارست علي المسلمين عدوانا حقيقيا بينما الحبشة كانت محايدة.
فالإسلام لا يأمر بالاعتداء علي المسالمين، ولا يحمل أتباعه السيف علي الآمنين، وكل آيات القتال هي علي المعتدي:
(فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم) البقرة -194-
لدرجة أن العدو لو دخل مكة المكرمة لا يصح للمسلم أن يقاتله إلا إذا سارع هو بالحرب :( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتي يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم وذلك جزاء الكافرين ) - البقرة - 191-
بل القارئ للفظ الحرب في القرآن الكريم ومشتقاته يجده قد ذُكر (6) مرات، بينما لفظ السلم، والسلام ذكر (146) مرة.
وجعل الإسلام للحرب ضوابط، وقواعد إنسانية، وأخلاقية لازلنا نفتقدها في حروب الحضارات المعاصرة، فمن غير اللائق أن يُتهم قادة المسلمين بأنهم غزاة، وجبابرة، يتحركون في فتوحاتهم لغرض دنيوي، ويبحثون عن نساء بيض، ويجزون الرقاب، والأعناق في فتوحاتهم - كما يدعي المستشار- وهم أصحاب من جاء ليُكمل مكارم الأخلاق.
إن هؤلاء هم خير من حملتهم الأرض بعد الرسول - صلي الله عليه وسلم- وكانوا يحفظون عن ظهر قلب القانون الحربي:
( لا تقتُّلنّ امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا ولا هرِما، ولا تقطعنّ شجرا مثمرا، ولا تخربنّ عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقنّ نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن).
ولا يمكن لدين يحمل قادته هذا القانون الأخلاقي: أن يُتهم بأنه انتشر بالسيف، فالسيف إن فتح أرضا لا يمكن أن يفتح قلبا، ففتح القلوب، وإزالة أقفالها يحتاج إلي عمل آخر يتمثل في اقناع العقل، واستمالة العواطف، والتأثير النفسي في الإنسان.
بل أستطيع أن أقول: إن السيف المُسلط علي الإنسان كثيرا ما يكون عقبة تحول بينه، وبين قبول صاحب السيف، فالإنسان مجبول علي النفور ممن يقهره، ويذله، فكيف سيتقبل دينه؟
ثم هل سيادة المستشار يمكن أن يوضح لنا كيف دخل الإسلام في أندونسيا، وكيف استقر في ماليزيا، وانتشر بقوة في الهند، والباكستان، وكيف تغلغل في نفوس الرجال والنساء السود، لا البيض في نيجيريا، والصومال، وتشاد، وأثيوبيا، والسودان، وغيرها من أفريقيا ؟
وكيف الآن يتجول في قلب أوربا، وأمريكا وغيرها؟
هل السيف هو من فعل ذلك؟ أم ثقافة الإقناع، والرضا، والطمأنية، والصدق؟
أما الادعاء بأن السيف هو الذي حمل المصريين علي الدخول في الإسلام: فيُرد عليه بأن المتحدث نفسه يفخر بأنه مسلم، ومن سلالة مسلمة فلو كانت هذه السلالة حُملت علي الإسلام بالسيف فلماذا هو باق إلي الآن علي ذلك ؟ ولماذا لا يُعلن رفضه لهذا الدين الظالم الذي قهر أجداده ؟
إن بقاء صديقنا علي هذا الدين، ودعواه بأنه (مفكر إسلامي) لدليل علي كذب ما زعم علي الهواء !.،
وبقي أخيرا ما ادعاه علي صلاح الدين الأيوبي من أنه قتل آلافا من المصريين، فهذا بهتان عظيم، ويكفي فخرا انتصاراته علي الغزاة الصليبيين، وإرجاعهم لبلادهم وهم ناكسو الرؤوس..
ولم يبق إلا أن أقدم التحية لهذه المذيعة الفاضلة، والتي انقضّت علي أقوال المتحدث في اللقاء بكل ذكاء، ونصحته: أن يراجع طبيبا نفسيا لعل هذه الأوهام عنه تزول، ونشاركها النصيحة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف