لا جدال أن انتصارنا فى حرب 1973 هو أفضل انتصاراتنا فى التاريخ الحديث، وبما أننا الآن فى خضم معركة لا تقل ضراوة عنها، ولأننا نريد أن نحقق فى عام 2016 نفس الانتصار الذى تحقق فى حرب 73.. علينا أن ندرس جيداً أسباب الانتصار فى الأولى.. لنحقق مثله- وربما أكبر- فى المعركة الحالية.. نقول ذلك وقد فرحنا وغنينا وصفقنا.. وجاء وقت الجد والعمل لنفرح ونغنى عندما ننتصر فى معركتنا الحالية.. ولكن كيف؟!
فى صمت عميق.. جرت عمليات إعداد الدولة أيام 73 للحرب، فى كل المجالات، وليس سراً أن القيادة السياسية العليا- أيامها- تحملت الكثير من الإهانات، بل السخيف من النكت التى مسّت كل شىء حتى رأس الدولة نفسه، الذى كان أكثرنا تحملاً.. وصلت السخافة إلى بيت الرئيس نفسه.. ولا ننسى كيف كانت النُّكت تسخر من الشعارات التى أطلقتها أيامها القيادة.. من عام الحسم إلى عام كذا وكذا.. وكانت السنوات تمضى دون أن «يرى» الشعب بوادر هذه الحرب، أو مقدمات هذا الحسم.. وهو نفس ما تتعرض له الآن القيادة السياسية، حتى وإن اختلف العدو.. ولكن الأسلوب واحد، هدفه تحطيم الروح المعنوية وتدمير إرادة الأمة.. وإذا كانت القيادة فى حرب 1973 تحملت ما فوق طاقة البشر.. حتى تجاوزتها وحققت النصر.. فإن القيادة السياسية العليا الآن يجب أن تتحمل.. حتى ولو الكلام الجارح الذى وصل إلى حد الحديث عن هبوط الشعبية وتدنى الأداء.. فإن كل ذلك سوف ينتهى بالنصر العظيم عام 2016.. تماماً كما انتهى عندما تحقق نصر 1973.. المهم أن تتحمل القيادة.. وتصبر.. ولا يتسلل اليأس إلى قراراتها.. أو تتعثر الخطوات.
ولقد عرفت مصر حكومة أطلقت عليها القيادة أيامها اسم «حكومة إعداد الدولة للحرب».. وكانت البداية فى حكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى يوم 17 يناير 72، ولكن البداية الحقيقية كانت حكومة برئاسة رئيس الجمهورية نفسه- أنور السادات- يوم 27 مارس 73 مع تفويض الرئيس الدكتور عبدالقادر حاتم، نائب رئيس الوزراء للثقافة والإعلام، برئاسة اجتماعات مجلس الوزراء.. وتقديم برنامج الحكومة لمجلس الشعب، وهى الوزارة التى دخلها الفريق أحمد إسماعيل وزيراً للحربية.. وضمت مجموعة من أفضل العقول المصرية فى كل المجالات، ويلاحظ أنها، وهى وزارة إعداد الدولة للحرب، ضمت المهندس عثمان أحمد عثمان يوم 27 أكتوبر كوزير للتعمير، أى بعد ساعات من تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، وهذا يعنى أن الدولة كانت تملك إرادة للبناء والتنمية والتعمير.. بينما صدى المدافع مازال فى السماء، وتم تكليف وزير جديد للخارجية، هو إسماعيل فهمى، بدلاً من السابق الدكتور محمد حسن الزيات «يوم 13 أكتوبر بجانب السياحة إلى أن انفرد بالخارجية يوم 31 أكتوبر».. ومعنى ذلك أن الدولة كانت تعد نفسها للمعركة الدبلوماسية الجديدة، التى بدأت بالفعل.. وهكذا كانت الدولة تعمل فى المجالين العسكرى والدبلوماسى.. والتنمية والتعمير، ولم تنسَ قطاعات حيوية أخرى مثل التموين والتجارة الداخلية، وتولاها أحد أقطاب القوات المسلحة هو اللواء أحمد محمد ثابت.
«ولاحظوا اسم وزير التموين الحالى» وقطاع البترول الذى تولاه أحمد عز الدين هلال، والدكتور عبد العزيز حجازى نائباً لرئيس الوزراء للاقتصاد وتوابعه.
وبسبب هذا الإعداد الجيد- فى كل الجبهات- حققنا نصر 73، وانطلقت مصر تعمل وتتحرك فى كل المجالات.. وبلا جدال، كان صمود الشعب وتحمله الصعاب أهم عوامل هذا الانتصار الرائع.
** ومصر الآن فى معركة لا تقل خطورة عن تحرير سيناء، وانتصارنا على العدو فى مثل هذه الأيام من 43 عاماً، بل أرى المعركة الحالية لا تمس الماضى وحده- كما فى 73- ولكن أيضاً تتعمق إلى حاضرنا.. وبالتأكيد تصل إلى مستقبلنا.. ألا يقتضى ذلك تشكيل حكومة حرب تحسن إعداد الدولة لهذه المعركة الجديدة الشديدة.. حكومة برئاسة الرئيس السيسى، حتى لو اضطررنا إلى تعديل الدستور.. حتى لا تنقطع «الطرق والوسائل» بين مختلف وزارات الدولة.. وحتى لا نجد من ينفذ المطلوب منه كما يريد رئيس الدولة.
** وإذا كانت مصر تحتاج إلى حكومة قومية واحدة تتحرك بسرعات واحدة، وتنفذ برنامجاً واضحاً للنهوض والانطلاق.. وأن تلتقى كل العقول.. وكل الكفاءات تعمل.. حتى يقتنع الناس بكل هذا الجهد.. ليساهم دون أن يقف موقف المتفرج... أو لنقل موقف من يريد أن «يحصل» دون أن يشارك بجدية، ليس فقط بالعمل الجاد، ولكن بضغط نفقاته وتقليل ما يستورده... ويزيد حجم إنتاجه.
** يا عالم.. كلنا الآن نطلب دون أن نساهم فى العطاء، ولكن من أين ونكاد نحن نمد أيدينا لنأكل ونشرب.. بل نتسلى؟!
وحتى نحقق حلم إعادة بناء الدولة.. وننسى كل ما فات من معوقات ودون أن نستمع إلى الشائعات.. وما أكثرها!... إذ ليس أمامنا إلا العمل والتضحية.. ولو إلى حين.. لن يطول بإذن الله مادمنا مخلصين وجادين.. وكفاية بقى شكاوى!!