محمد صابرين
هل بدأت عملية اصطياد «الديك الرومي» فى السعودية؟
الأرجح أن «عملية الصمت» قد انتهت، والآن نحن نشاهد عملية اللعب على المكشوف. وفى الأغلب أن «المؤسسة العميقة» فى الولايات المتحدة الأمريكية ترغب الآن ليس فقط فى ابتزاز السعودية، بل الأخطر من ذلك هو أن تحمل الرياض كل «شرور العالم»، وأن تخرج واشنطن من عملية اصطياد «الديك الرومي» السعودى باعتبارها «قوة الخير» الوحيدة فى العالم. ولكن رغم ذلك، فإن المركب العسكرى الصناعى المالى الأمريكى لا يجد حرجا فى أن يستمر فى بيع المزيد من صفقات الأسلحة، ولا أن يضع عينين على تعويضات يقول البعض إنها قد تصل إلى تريليونات الدولارات، أو أن يغرى أو يورط الرياض فى المزيد من مستنقعات الحروب الأهلية، وأحسب أن الأيام سوف تثبت أن واشنطن وهذه المؤسسة العميقة تعيد اللعبة ذاتها عندما ورطت العراق وايران فى حرب الخليج الأولي، والآن فإن الرياض متورطة بالفعل فى حرائق اليمن وسوريا ولبنان والعراق. والمثير للدهشة أن العم سام يفضل دوما أن يتعامل مع طرفى النزاع، وأن يتكسب من الفوضى وإعادة الإعمار، ومن الخراب والدمار، والتسليح وإعادة التسليح، إلا أن السؤال الذى يجب ألا نتوقف أمامه كثيرا: من المسئول عن الوصول إلى هذه النقطة، ولا أن يخرج البعض ليقول للسعودية: ألم نقل لكم لاتثقوا فى واشنطن. وأحسب أن ذلك على رغم أهميته ينبغى ألا يشغلنا عن الأمر الأهم.. وهو ألا نترك الرياض بمفردها تواجه مصيرها وحدها، بل لابد من العمل وبقوة على بناء تحالف عربى عاجل تقوده مصر للوقوف مع السعودية لصد هذه الهجمة. وهذه المرة فإن المسألة يجب أن تأخذ العبرة من «المواجهة المفتوحة» فى الستينيات والتى انتهت باصطياد «الديك الرومي»، ولا تكرار المغامرات غير المحسوبة لصدام حسين أو معمر القذافي، فضلا عن «عدم خبرة» بشار الأسد التى أوصلته وسوريا إلى ما هم فيه «الكل خاسر». وأعتقد وبقوة أن «الاجابة» على السؤال: إلى أين وما العمل؟.. هى باختصار «اصلاحات هائلة» فى الداخل لتقديم «الإسلام المعتدل المتسامح»، وإبراز «نموذج الدولة» المتصالحة مع الحداثة والعصر، والنقطة الثانية العاجلة: بناء تحالف قوى ما بين دول الخليج ومصر والأردن والمغرب بأسرع ما يمكن.
والنقطة الثالثة: ضرورة العمل وبقوة على إنهاء «الخلافات العربية» سواء فيما يتعلق بالحدود أو «بالسياسات الاستراتيجية»، والعمل فى الوقت ذاته على إنهاء العداء ما بين الدول العربية ودول الجوار. والنقطة الرابعة: دراسة متأنية ودقيقة لتحقيق «خطوات كبري» لمزيد من الاندماج والتكامل الاقتصادى ما بين «مجموعة الثمانى العربية» ـ وهى الدول الراغبة: مصر والسعودية والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عمان والمغرب والأردن ـ، وتقديم نموذج جاذب لبقية الدول العربية، وأحسب أن «مشروع مارشال عربي» لتحقيق طفرة فى التوظيف والتجارة البينية والسياحة العربية والاستثمار فى الدول العربية الثماني، وهنا لابد من مشروعات عابرة للحدود، وطفرة اقتصادية يعم خيرها على الجميع.
والنقطة الخامسة: لابد من المصارحة التامة بشأن ما هو «الحد الأدني» لنظام إقليمى أمنى عربى يوفر «بوليصة التأمين» الحقيقية للحفاظ على «الدولة العربية المستقلة»، ويردع الاعداء فى الجوار والأهم أن يكون قادرا على إنهاء التهديدات الأمنية الداخلية، ويحتوى من خلال «آليات فاعلة» كلها النزاعات المذهبية والعرقية.
والنقطة السادسة: للعمل معا على رسم «صورة ذهنية» حديثة وتنتمى إلى العصر لتسويقها فى الداخل والخارج، وهنا فإن «مجموعة الدول العربية الثماني» نقطة بداية جيدة. ولكن المهم ألا يتسرع البعض بالقفز على الواقع أو «الانسياق وراء» «النوايا الحسنة» ليحذر الآخرين من أن هذه كتلة ضد الآخرين، وإنما هذه «مجموعة تعاون» لصالح شعوبها، وتمد يدها بالخير لكل «الأيدى الممدودة» من الآخرين.
إلا أن جزءا آخر يستحق أن نتوقف أمامه ويتعلق بقانون جاستا (العدالة ضد رعاة الإرهاب). وأحسب أن الوصول إلى إقرار القانون وتجاهل «فيتو أوباما» ليس سوى قمة جبل الثلج، وأن جسم الجبل الغاطس هو ما يستحق أن نتوقف عنده. ولعل أهم ما ينبغى التوقف طويلا أمامه هو خلاصة مابات يعرف «بعقيدة أوباما»، والتى عرضها الصحفى الأمريكى «جيفرى جولد بيرج» فى مجلة «اتلانتيك» الأمريكية الشهيرة بعد سلسلة من اللقاءات مع الرئيس أوباما ومعاونيه. وهذه الرؤية تعكس مجموعة من الخلاصات حول العالم ودور أمريكا به، أولها أن الشرق الأوسط لم يعد مهما بشكل كارثى للمصالح الأمريكية. ثانيا: أنه حتى لو كان الشرق الأوسط مهما، فإن هناك احتمالا قليلا أن هناك رئيسا أمريكيا سوف يجعله مكانا أفضل. ثالثها: أن الرغبة الأمريكية بإصلاح أنواع المشاكل التى توجد فى الشرق الأوسط ستؤدى حتميا للحرب وموت الجنود الأمريكيين، ونزيف مصداقية وسلطة الولايات المتحدة. رابعها: أن العالم لا يمكنه العيش مع تضاؤل السلطة الأمريكية.
خامسا: يعتقد أوباما أن التاريخ له عدة جوانب، وخصوم أمريكا ـ وبعض حلفاء واشنطن الوهميين ـ وضعوا أنفسهم فى الجانب الخاطئ من التاريخ، حيث القبيلة والتطرف والطائفية والعسكرتاريا مازالت تزدهر، لكن ما لا يفهمونه أن «التاريخ فى صفه هو»!. ووفقا لأوباما فإنه يرى أن بعض الحلفاء العرب والأوروبيين لا يدفعون ما عليهم، وأن السعودية عليها أن تتقاسم النفوذ فى المنطقة مع ايران.
ـ وأحسب أن هيلارى تشارك الرؤية ذاتها، ودونالد ترامب يذهب بعيدا ويطالب الحلفاء بأن يدفعوا اكثر مقابل «الحماية الأمريكية» أو ترتيبات الأمن سواء حلفاء أوروبا أو الخليج. إلا أن الأمر لايتوقف عند ذلك فقط، فقد كتب الأدميرال جيمس ليون القائد العام السابق للأسطول الأمريكى فى المحيط الهادى مقالا بعنوان «داعش فى الشرق الأوسط، والآن فى الولايات المتحدة» صحيفة واشنطن تايمز 29سبتمبر ـ ويرى أن الاستراتيجية الشاملة لهزيمة داعش يجب أن تبدأ بالاعتراف بوجود «حركة جهاد اسلامى عالمية»، وأنها تعمل وفقا لجدول زمنى لغزو الحضارة الغربية من 7 مراحل. ويوضح أن المرحلة الرابعة امتدت من 2010 إلى 2013، وكانت تستهدف احداث انهيار للحكومات العربية مثل مصر والعراق وليبيا. وأن هذا تم إنجازه بمساعدة أوباما، ويزعم أن المساجد والمراكز الإسلامية فى أمريكا هى مراكز القيادة والسيطرة على الحركة الجهادية فى الولايات المتحدة.. ويواصل الرجل بتأكيده أن الاستراتيجية لابد أن تتضمن: أولا وقبل كل شيء تصنيف الإخوان المسلمين كمنظمة ارهابية، وثانيا: اغلاق المساجد والمراكز الإسلامية التى تدعو إلى الفتنة وترحيل أئمتها. ويبقى أن المسألة خطيرة وربما تتجاوز حتى عملية اصطياد «الديك الرومي» فى السعودية. وأغلب الظن أن المسألة تتجاوز أوباما، وقانون جاستا، بل ربما تصل إلى «خطر صدام حضارات» ينبغى علينا أن نعمل معا لمنع المتطرفين والإرهابيين والجهلة من أن يدفعوا إلى هذا الصدام المدمر؟!.