الوفد
سناء السعيد
خيار على المحك
لا يملك أى منصف إلا أن يقر بحقيقة ما يعكسه مشهد الأحداث فى سوريا اليوم وتتصدره بالطبع روسيا، التى نجحت إلى حد كبير منذ أن دخلت عسكريا قبل عام على خط الأزمة السورية فى تحقيق معطيات ساهمت فى تحويل مسار الأزمة بالكامل إلى انجازات عسكرية على الأرض واستثمارها فى كثير من المواقع، لتحقيق هدنة ميدانية على أمل أن تتحول إلى مشروع مصالحات على مستوى المناطق. لقد ساهم دخول روسيا على خط الأزمة فى تعزيز دور الدولة السورية وتثبيت قوتها والاستمرار فى المحافظة على مركزيتها وقدرتها على إدارة ملف الأحداث. بل وكان سببا فى الحفاظ على الدولة السورية وهو ما يعد أهم إنجاز تحقق بعد عام من دخول القوات الروسية.
اليوم باتت روسيا هى الطرف الرئيسى فى الحرب الدائرة فى سوريا. وعكس بوتين بمواقفه شخصية قيصر روسيا القوى، وهى الشخصية التى تجلت منذ أن جاء إلى السلطة قبل نحو ستة عشر عاما. يومها أبدى استعداده لأن يكون صديقا مقربا من الغرب. ورأينا كيف أن الرئيس الأمريكى كلينتون يشيد به يومئذ ويصفه بأنه الرجل الذكى ذو الإمكانيات الهائلة. بيد أن الأمور تغيرت اليوم فى ظل وجود قائمة طويلة من الخلافات بين بوتين والغرب تتصدرها سوريا وأوكرانيا وتوسيع حلف الناتو والدرع الصاروخى للناتو وغيرها. وما لبث الغرب أن شعر بالغيرة من بوتين بعد أن أدى ظهوره على الساحة إلى تقليص الدور الأمريكى فى المنطقة. ومن ثم ظهرت أمريكا وهى تصارع كى تثبت أنها ما زالت القوة العظمى الوحيدة فى العالم. ولكن يظل التباين كبيرًا بين روسيا وأمريكا بعد أن فرض بوتين نفسه بمكانته ودوره على مسرح الأحداث فى العالم.
ما يخشاه الكثيرون اليوم هو وقوع مواجهة عسكرية بين الدولتين. وهو ما أوحت به صحيفة روسية مؤخرًا عندما حذرت من اندلاع حرب عالمية ثالثة بسبب الحرب فى سوريا، فالوضع الآن مغاير لما كان عليه فى الماضى خلال الحرب الباردة، فرغم أن العلاقات بينهما كانت سيئة إلا أنها كانت مستقرة بشكل ما، وكان كل منهما يعرف ردود الأفعال المتوقعة من الآخر ويعرف قواعد اللعبة. اليوم الأمر يختلف، فالعلاقات غير مستقرة، وهو ما يجعل الواقع الراهن أكثر خطورة من فترة الحرب الباردة لا سيما بعد أن ازدادت المخاوف فى أعقاب انهيار اتفاق وقف إطلاق النار فى 19 سبتمبر الماضى. وعقب المعارك والغارات الجوية الروسية السورية على مدينة حلب، استاءت أمريكا حيث أمكن للقوات الحكومية السورية بفضل الدعم الجوى الروسى استعادة الكثير من المواقع والمناطق التى كانت تسيطر عليها المعارضة. وتأكد عندئذ أن كلًا من روسيا وسوريا تسعي إلى طرد المعارضة من حلب وقلب موازين القوى العسكرية على الأرض مع إطلاق الجهود الدبلوماسية مستقبلا من أجل استئناف المفاوضات بين الحكومة والمعارضة برعاية الأمم المتحدة.
تطورات رأينا صداها فيما نقلته الواشنطن بوست عن مسئولين أمريكيين بأن خيار شن الجيش الأمريكى ضربات جوية ضد الجيش السورى سيعود إلى طاولة البحث فى البيت الأبيض رغم وجود خلاف حوله بين فريق أوباما والبنتاجون. كما أن المعطيات تدل على أن موسكو وواشنطن يستعدان لتصعيد ميدانى جديد قد يدفع أمريكا إلى الانخراط المباشر ضد الجيش السورى وحلفائه تحت ضغط البنتاجون والمخابرات بتوجيه ضربات جوية أو عبر صواريخ كروز لمدرجات المطارات السورية لمنع تحرك سلاح الجو فيه. أما ما يدعو إلى استبعاد ذلك فهو الوجود الروسى المؤثر والكبير على الأرض السورية، والذى يظل يمثل العائق الأكبر أمام أى تحرك عسكرى أمريكى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف