تعالوا نتفق بداية على أن القضاء على التطرف، لا يقتصر فقط على الأشخاص، بل يشمل الفكر والفقه الذى أنتجه هؤلاء الأشخاص، وتعالوا نتفق كذلك أن الحوار أو ما يسمى بالمراجعة الفكرية، ولكي يكتب لهذه المراجعة النجاح، على الحكومة أن تقيمها فى العلن وليس فى زنازين السجون المظلمة، فقد أثبتت الأيام عدم جدوى المراجعات التى أقيمت فى السنوات الماضية لأعضاء الجماعات المتطرفة، حيث اتخذها البعض وسيلة لإطلاق سراحه، والبعض الآخر لكى يشكل خطابا أكثر عنفا عما كان يتبناه فى السابق، والأحداث الأخيرة أكدت هذا جيدا، فقد قام بعض المطلق سراحهم بتشكيل مجموعات للقتل وسفك الدماء.
قد تنجح العمليات العسكرية التى نقوم بها، وقد تبيد الضربات العسكرية معظم المقاتلين الذين يحملون السلاح باسم الله ورسوله وكتابه، لكن وماذا عن الفكر والفقه المتطرف؟، كيف سنواجه الفكر والفقه المعشش فى عقول البعض؟.
فى ظنى أن الحكومة ليس أمامها سوى أن تفتح الباب للمراجعات الفكرية، ويشترط فى إقامة هذه المراجعات العلانية، تتاح الفرصة كاملة لرموز وشباب هذه الجماعات والتيارات للتعبير عما يؤمنون به أو يعتقدون بصحته، وأن تنقل الحوارات على الفضائيات لكى يشاهدها الجميع، وننصح الحكومة أن تستعد جيدا لإجراء هذه المراجعات، بأن تختار مجموعة كبيرة من الشخصيات التى تمتلك أدواتها الفكرية والإنسانية لإقامة الحوار، بأن تفرز بعض الشخصيات التى تمتلك فكرا وفقها وقدرة على الحوار من بين المتخصصين فى علوم الدين، بالطبع ليس جميع المتخصصين مؤهلين فكريا وعلميا، وليس جميع قيادات المؤسسات الدينية أيضا يمتلكون الفكر والثقافة المطلوبة.
ونقترح أن تعكف مجموعة كبيرة من الباحثين على إعداد دراسات مستفيضة حول القضايا التى تتبناها الجماعات الدينية المختلفة، وتدفع هذه الدراسات إلى الشخصيات التي يقع عليها الاختيار لإجراء المراجعة الفكرية لرموز وشباب الجماعات الدينية المختلفة، لكى تساعدهم على الإجابة عن أية أسئلة قد تطرح فى السياق حتى لو كانت صغيرة أو هامشية.
نعيد ونكرر ما سبق ونصحنا به الحكومة، وهو أن تعيد النظر فى قرار إبعاد مشايخ التيار السلفى عن الخطابة والدروس، وعليها أن تفتح الباب أمامهم لكى نتعرف على فكرهم وخطابهم، ويتعرفون هم كذلك على الرأي المخالف والمضاد لما يطرحونه، لا أعنى أن نترك المساجد لهم، ولا أن نتركهم يلونون خطب صلاة الجمعة بفكرهم، بل نرى أن نجعلهم يشاركون فى الخطابة تحت إشراف المؤسسات الدينية الحكومية، نسمح لهم بالخطابة فى المساجد التي تبتعد عن أنصارهم، لأنه من المستحيل أن نخصص لهم وأنصارهم مساجد يصلون ويخطبون فيها، كما نلزمهم بالخطابة ضمن الخطب الموحدة والابتعاد عن الإفتاء، بمعنى أن يخطب فى مسجد يرتاده غير السلفيين ويلتزم بموضوع الخطبة المقررة من المؤسسة الدينية الحكومية، ونرى كذلك أن نتيح لهم فرصة إلقاء الدروس، بشرط أن تكون معلنة ويحضرها الجميع من أبناء التيار أو غيره، وأن يسمح بالمناقشة والحوار، قد تنتهى الجلسات بمشادات أو بمشاجرات لكن فى النهاية سوف تعم الفائدة.