مرسى عطا الله
أكتوبر.. الجمسى والفرحة الصامتة (4)
لعل من سخريات القدر أن الجنرال حاييم بارليف الذى كان قد خلع الثوب العسكرى عام 1971 بعد إحالته للتقاعد وتعيينه وزيرا للتجارة والصناعة قد جرى استدعاؤه على عجل يوم 6 أكتوبر عام 1973 للعودة إلى الجيش لكى يتولى مسئولية إنقاذ الخط الذى يحمل اسمه وعندما وصل بارليف إلى مقربة من الخط أصيب بصدمة عصبية وهو يرى الأعلام المصرية ترفرف على النقاط القوية الحصينة لما كان يسمى قبل ساعات باسم خط بارليف.
لقد رأى بارليف بعينيه ما لم يكن يخطر له على بال حيث فوجيء إلى حد الصدمة بأن العبور كان على امتداد خط المواجهة وليس فى قطاعات محدودة من خط المواجهة.
ولم يكن أحد بمقدوره أن يفهم حجم ومعنى التداعيات المنتظرة لما حدث سوى حاييم بارليف نفسه الذى آمن فى تلك اللحظة أن صفحة الغطرسة والغرور فى تاريخ الجيش الإسرائيلى قد طويت تماما!.
وفى القاهرة كانت فرحة الإحساس بالنصر والإنجاز داخل غرفة العمليات المصرية تجمع ما بين الهدوء الحذر والصمت المصحوب بابتسامة هادئة خصوصا من جانب اللواء محمد عبدالغنى الجمسى مهندس خطة العبور كرئيس لهيئة العمليات بينما كانت مشاعر الصدمة تتصاعد وتتوالى داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لأن الخط الذى سقط لم يكن فى نظر الإسرائيليين ثمرة الإبداع العسكرى للجنرال بارليف رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلى فى الفترة من عام 1968 إلى عام 1971 وإنما كان قد تحول بمرور الوقت إلى مفهوم ورمز للقوة الإسرائيلية التى لا تقهر.
كان خط «بارليف» يمثل لعموم الإسرائيليين وللمؤسسة العسكرية تحديدا ركيزة أساسية من ركائز الثقة الذاتية التى أفرزت غرورا أعمى ساد كل الأوساط السياسية والعسكرية حتى أصبح اسم «خط بارليف» مرادفا دائما لكل تصريحات متشددة للإسرائيليين بأن على المصريين أن يقبلوا بالشروط الإسرائيلية أو أن ينتظروا إلى ما لا نهاية لأنه ليس بمقدور مصر أن تجتاز هذا العائق ضد الدبابات الذى سبقه عائق طبيعى يتمثل فى قناة السويس.